بوح الأحد: الجبهة الإجتماعية تعزل نفسها وتخسر الرهان عندما تدافع عن راس الحانوت

بوح الأحد: الجبهة الإجتماعية تعزل نفسها وتخسر الرهان عندما تدافع عن راس الحانوت

A- A+
  • بوح الأحد: الجبهة الإجتماعية تعزل نفسها و تخسر الرهان عندما تدافع عن راس الحانوت و تنسى الملف الإجتماعي، باريس عاصمة للجردان و ماكرون يستنجد بالسعودية لإنقاذ ماء وجه فرنسا في لبنان و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    لم تستفد الجبهة الاجتماعية من أخطائها السابقة، ولم تستوعب فشلها في كل المحطات التي حاولت استعراض قوتها فيها منذ تأسيسها. حرصت هذه الجبهة، واسمها يتطابق مع مسماها، على الاستغلال العشوائي لقضايا اجتماعية دون استيعاب دقيق لأسبابها الموضوعية، وأصرت على التوظيف السياسوي لبعض المناسبات دون إدراك لسياقاتها التاريخية وملابسات وقوعها والخطوات التي اتخذت للحد من آثارها.
    آخر ضربة تلقتها هذه الجبهة هي الفشل الذريع الذي منيت به دعوتها المغاربة إلى تنظيم وقفات احتجاجية في مختلف المناطق يوم الثلاثاء 20 يونيو “وفاء للشهداء وضد الغلاء والقمع والاعتقال السياسي والقهر الاجتماعي” حيث كانت المشاركة الهزيلة والتجاوب الباهت مع هذه الدعوة رصاصة رحمة أطلقت مرة أخرى على هذا الكيان الذي يرفض الاعتراف بفشله في التصدي للقضايا التي نذب نفسه للتخصص في النضال من أجلها.
    اختيار المناسبة خاطئ لأنها تنتمي إلى عهد قديم لم يعشه شباب اليوم. من عايش أحداث ما يسمى “شهداء كوميرة” يفوق عمرهم اليوم الأربعين وشباب الثلاثينيات والعشرينيات لم يعش تلك الأحداث ويرفض أن تكون موجها لاختياراته وهو يرى أنها جزء من ماضي لا مؤشرات على عودته اليوم. وهذا في حد ذاته درس لأصحاب “الجبهة”، بالمعنى المتداول في الدارجة، كي يغيروا من أساليبهم ويحينوا أدوات اشتغالهم لأن الخطاب القديم لم يعد له متابعون، وأساليب التيئيس لم يعد لها جمهور، ولأن مغرب اليوم مختلف كثيرا عن مغرب الأمس.
    الجهة الموجَّهة لها رسالةُ ودعوات الاحتجاج غير موجودة واقعيا، إذ كيف تدعو الجبهة كافة فروعها وأنصارها وسائر المواطنين/ات، وهي على دراية أن فروعها غير موجودة إلا في التقارير التي يرفعها “المناضلون” يوم تأسيس الفرع الذي يولد ميتا لأنه مليء بالتناقضات التي تجعله غير قابل للحياة والنشاط. من يتابع طريقة تأسيس الفروع والحسابات الإيديولوجية والسياسية التي تحكم المكونات الحاضرة ومنطق المحاصصة والحسابات الفارغة يدرك أن الجبهة ولدت ميتة أو إن أردنا تحسين الظن بها نقول بأنها ولدت وهي تحمل مؤشرات موتها ولا تبذل مجهودا لعلاج أمراضها بل تزيدها تفاقما بخلافاتها وحسابات مكوناتها الفارغة. إكرام الميت دفنه ولكن هذا الإكرام لا يريده أصحاب الجبهة الذين ينفخون في كائن ميت ويكتشفون استحالة إحيائه ويعاندون.
    اختيار التوقيت خاطئ وهو يعكس فعلا عزلة أصحاب “الجبهة” عن المغاربة المنشغلين بأولويات الامتحانات والتوجيه الدراسي للأبناء والاستعداد للعيد ومتطلبات نهاية الموسم الدراسي ولا وقت لديهم للتجاوب مع دعوة يطلقها مجهولون ومعزولون جماهيريا. هل كان يتوقع أصحاب “الجبهة” أن يتجاوب المغاربة مع دعوات احتجاج وسط الأسبوع؟ هل كانوا يظنون أن مجرد بيان يدور عبر مجموعات مغلقة أو في صفحات هامشية في مواقع التواصل الاجتماعي يكفي لتعبئة “الجماهير الشعبية!!”؟
    مضمون البيان وأسباب الدعوة للاحتجاج وطبيعة المطالب غير مغرية للمغاربة وتعكس فقط منطق المزايدة والرغبة في حشد الناس في الساحات لخدمة مصالح سياسوية عجز أصحاب “الجبهة” عن تحقيقها عبر صناديق الاقتراع. كيف يسمح أصحاب “الجبهة” لأنفسهم الكذب على الناس بعبارات ديماغوجية كلها كذب وإيديولوجيا حاقدة؟ من سيصدق صدق من يدرج مطلبا غير واقعي مثل “الرفض القاطع لخوصصة الماء والكهرباء والزيادة في أسعارها”؟ من أين استقى هؤلاء رغبة الدولة في خوصصة هذه القطاعات؟ هل أصبحت أساليب الشراكة خوصصة؟ هل هناك من يتحدث عن انتفاء صبغة المرفق العام عن هذا النوع من المرافق؟ لماذا هذا الحرص على التغليط؟ لمصلحة من؟ هل بإمكان مطلب مؤسس على افتراضات وتوهمات أن يستقطب المغاربة للاحتجاج؟ هل يعي أصحاب “الجبهة” أن هذه المزايدات الإيديولوجية تنتمي لزمن الحرب الباردة ولم تعد لها جاذبية وانتهى مصير أصحابها إلى الهامش أو الموت أو أصبحوا هم منفذي أجندات الليبرالية التي كانوا ينعتونها بالتوحش؟ هل يصح أن تدرج عبارات التهديد والتحذير في دعوات مثل هذه للاحتجاج كما هو الشأن بالنسبة لمطلب “التحذير من أي زيادة في ثمن البوطا”؟
    أغلب مطالب أصحاب “الجبهة” مبنية على افتراضات مبالغ فيها كما هو الشأن بالنسبة للزيادة في ثمن البوطا ولا شيء من ذلك موجود في واقع الناس وكما يقول المغاربة “حتى يزيد ونسميوه سْعيد”، أو هي مطالب مبنية على معطيات غير صحيحة كما هو الشأن بالنسبة لمطلب “إعطاء الأسبقية المطلقة لتوفير الخضر في السوق الداخلي على حساب تصديرها” ولا شيء من ذلك يؤكد هذه السياسة في الواقع. ويرجى الانتباه إلى صيغة التعبير “الأسبقية المطلقة”. هل باستطاعة أصحاب “الجبهة” تزويد المغاربة بأدلة على صحة ما يروجون له؟
    لغة أصحاب “الجبهة” غارقة في الإيديولوجيا المنغلقة وتنتمي لقاموس قديم لا يتقاسمه معهم المغاربة على الإطلاق لأن لغة التأميم والخوصصة والإمبريالية لا مكان لها في تدبير السياسات العمومية للدولة التي اختارت بوعي طابع الدولة الاجتماعية وتبذل مجهودات من أجل تنزيل مقتضياتها رغم الإكراهات الظرفية والبنيوية ولم تستسلم لها وتحرص على الاستمرار في دعم مواد أساسية رغم كلفتها المرتفعة. لماذا يتناسى أصحاب “الجبهة” هذا الإنجاز؟ لماذا يتناسى هؤلاء أوراش الحماية الاجتماعية؟ لماذا لا يساهمون من موقعهم في إنجاحها باقتراحاتهم، إن كانوا يتوفرون على حس اقتراحي، وهم يعلمون الطابع الاستراتيجي لها والأثر الكبير لتنزيلها اجتماعيا على المغاربة؟
    يصر أصحاب “الجبهة” على حشو مطالبهم بقاموس التغليط كما هو الشأن عند الحديث عن تسقيف ثمن الأسعار وتأميم محطة لاسامير وتطبيق السلم المتحرك للأثمان والأجور وإعادة النظر في النظام الضريبي بفرض ضريبة تصاعدية على الدخل وعلى الشركات وإلغائها بالنسبة للأجور الدنيا. يظن هؤلاء أن قرارات بهذا الحجم يمكن اتخاذها بجرة قلم بينما هي تتطلب دراسات وتقليبا لها من كل الزوايا بعيدا عن دغدغة العواطف.
    مشكلة أصحاب “الجبهة” أن المغاربة انتبهوا لمزايداتهم وغرقهم في الإيديولوجيا وعدم واقعيتهم وهامشيتهم فانفضوا عنهم. جرب المغاربة في أكثر من مناسبة أصحاب “الجبهة” فاكتشفوا أن ما يتقنونه هو الديماغوجيا والتضليل ولا قدرة لهم على تقديم اقتراحات عملية لحل أي مشكلة اجتماعية. هذه هي الحقيقة التي يصم أصحاب “الجبهة” آذانهم عن سماعها.
    أجندة القائمين على هذه الجبهة إيديولوجية محضة وما يحركهم ليس مصلحة المغاربة ولكنهم يريدون المزايدة على المغرب والظهور أمام رفاقهم الأمميين كمناضلين ضد العولمة والمنظمات المالية الدولية ولذلك فهم يريدون استغلال مناسبة 20 يونيو ليضيفوا إليها بعض التوابل الاجتماعية لعلها تنفع في تحقيق هدف سطروه في غرفهم المغلقة بشأن إطلاق دينامية نضالية وطنيا وأمميا بتنظيم تظاهرات احتجاجية وفكرية وإشعاعية مضادة للاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المبرمجة بمراكش شهر أكتوبر القادم.
    هذه هي الحقيقة التي تخفيها الجبهة في دعواتها للاحتجاج ولكنها لا تخفى على كل متتبع للشأن العام ببلدنا لأنه صار من أبجديات فهم أساليب هذا التيار الحالم الإجابة عن سؤال لماذا تحريك هذه القضية في هذا التوقيت بالذات؟
    لم يتخلص أصحاب “الجبهة” بكل مكوناتها من أسر الماضي ومن لغة سنوات الرصاص وشهداء كوميرة التي مر عليها 43 سنة، وما زال يحكم تقييمهم للسياسات العمومية منطق سياسة التقويم الهيكلي التي مر عليها 40 سنة، ولم يخرجوا بعد من بوتقة الثنائية القطبية ويفهموا أن الاستقطاب الإيديولوجي خفت بريقه وانطفأت جدوته وأن المطلوب اليوم هو التعامل مع كل المؤسسات الدولية دون الخضوع لها ودون أن تؤثر في القرارات السيادية للمغرب. هذا الأمر لا يستطيعونه ولا يقدمون طريقة للتعامل معه.
    أكبر مشكلة في خطاب أصحاب “الجبهة” هي تشجيعهم على الإفلات من العقاب وتبخيس القانون حين يطالبون ب “إطلاق سراح المعتقلين السياسيين دون قيد أو شرط ووقف المتابعات والمحاكمات”. من يمكن أن يوافق على مثل هذا المطلب؟ وهل يمكن للمغاربة أن يثقوا في من يطالب بمثل هذه المطالب؟ وهل يملك أصحاب “الجبهة” صك تمتيع بعض المعتقلين بالصفة السياسية دون غيرهم؟ وعلى أي أساس؟
    الأهم مما سبق هو كيف يمكن لأصحاب “جبهة” تدعي أنها اجتماعية وتتبنى بشكل مبالغ فيه هذا السيل من المطالب السياسية والإيديولوجية والحقوقية التي تجعلها أقرب إلى الحزب السياسي وليس جبهة اجتماعية؟
    المفروض أن للملف الاجتماعي هيئات مكلفة به هي النقابات. والغريب أن هذه النقابات لا تمثل إلا مكونا ضمن مكونات كثيرة تشتغل في كل المجالات إلا المجال الاجتماعي الذي تتعسف على الاشتغال فيه فقط للتغطية على فشلها في مجالات تخصصها أو المساومة بهذه الملفات لتحقيق تقدم في مجالات تخصصها أو ضمان حشد المغاربة بمطالب اجتماعية لتحقيق مطالب إيديولوجية وسياسية. هذه هي أكبر معضلة تعاني منها الجبهة الاجتماعية وهي سبب فشل كل دعواتها للاحتجاج التي لا يتجاوب معها المغاربة لأنهم حين يرون مكوناتها يكتشفون أنها تنتحل صفة منظمات اجتماعية بينما هي لا علاقة مباشرة لها بهذا الملف ولا ماضي ولا إنجازات لديها في هذا الملف.
    معضلة الجبهة الاجتماعية هي جزء من معضلة عامة صارت تطبع التنظيمات في المغرب وهي تفرخ التنسيقيات والشبكات والجبهات واللجان. تنشأ حول كل قضية أكثر من تنسيقية مما يضعف التنظيمات الأصلية مثل النقابات في حالة القضايا الاجتماعية بينما الأصل هو النضال من داخل النقابات والعمل على إصلاحها وتقويتها والتشبيك بينها في المشترك. هذا وحده الذي من شأنه أن يحدث هيئات اجتماعية قوية ذات مصداقية وتحظى بثقة المغاربة لأنهم يرون فيها مؤسسات مسؤولة لها تاريخ نضالي وتتحمل المسؤولية عوض تنسيقيات يجهل الكل سياق ودوافع إنشائها كما يجهلون بعد ذلك سياق أفولها واندثارها، بل هناك من يتخذها وسيلة للمتاجرة لتحقيق مآرب شخصية.
    ينتعش في أمثال الجبهة الاجتماعية الطارئون على القضايا الاجتماعية الذين يريدون فقط الاستقواء بالجبهة لتحسين مواقعهم التفاوضية في ملفات أخرى، ويتخذ البعض الآخر من الجبهة فقط سلاحا يستقوي به على رفاقه في التنظيمات الأخرى التي بلغ معها مرحلة القطيعة، ويحاول البعض الآخر جعل الجبهة قناة للاستقطاب وسط سوق اليسار الذي أصابه العقم وأصبح من الوهم التعامل معه كفضاء للاستقطاب بينما هو فضاء للتنفيس بالنسبة لمن لا يزال يعيش في الماضي ويرفض أن يخرج منه ليواجه الواقع. هذا من المشاكل الكبرى التي تجعل اليسار “الجبهوي” في حالة تخدير مزمنة تقترب من حالة الغيبة الكبرى لدى الشيعة الذين ينتظرون مهديا يتصورون أنه لن يظهر إلا بعد أن تمتلئ الدنيا جورا، ولذلك نرى هذا اليسار أحرص على النظر إلى المغرب بنظارات سوداء تيئيسية وكأنه يرى في ذلك إيذانا بقرب ظهور المهدي المنقذ.
    العزف على الوتر القديم الذي لم يعد يصدر نغمات، ومحاولة إحياء أحداث 20 يونيو لن يجدي نفعا لأن المغاربة يعرفون بالأدلة الملموسة أن مغرب تلك السنوات صار في خبر كان واتخذت كل الضمانات الدستورية والقانونية والمؤسساتية لعدم تكراره، ولذلك فما تتضمنه دعوات أصحاب “الجبهة” حول “تفاقم القمع وخاصة الاعتقال السياسي والحرمان من القاعات العمومية ومن التظاهر” هو ترديد بصيغة أخرى لأسطوانة مشروخة حول “الردة الحقوقية” و”النكوص الحقوقي” وهو ما لا يصدقه المغاربة ولا تسنده الوقائع ولا تؤيده كل التقارير الدولية المنصفة التي تؤكد أن المغرب قطع بشكل لا رجعة فيه مع ماضي الانتهاكات الجسيمة والإفلات من العقاب. ظهور هذه اللغة والمصطلحات في بيانات أصحاب “الجبهة” وغيرهم من محترفي المعارضة الأبدية كاف وحده بجعلها في سلة المهملات والحكم على أصحابها بأنهم أصحاب مطالب غير واقعية ويترتب عن ذلك تجاهل دعواتهم واتخاذ مسافة مع تنظيماتهم.
    الحرص على التحشيد تحت أي عنوان مرض آخر صار ملازما لأصحاب “الجبهة” فهم الجهة الوحيدة الأقدر، ويا للعجب لهذه القدرة، على تضمين كل شيء في بيان واحد بدءا من الأسعار ومرورا بالخوصصة والتطبيع ونصرة فلسطين ومناهضة العولمة ومراجعة الدستور وإطلاق سراح المعتقلين وإيقاف المحاكمات وإعادة النظر في النظام العالمي وغير ذلك من المطالب. هل يقبل منطق أن تتولى جهة أخرى غير حزبية كل هذه الاختصاصات؟ لماذا لا ينشؤون حزبا وينهوا هذه المهزلة؟ لماذا لا يوحدون أحزابهم الصغيرة في حزب واحد ليحققوا الحلم الذي لم يحققوه منذ أزيد من نصف قرن حين كانوا يتحدثون عن “الحزب الاشتراكي الكبير”؟
    هذه همسة في أذن من تبقى من مناضلي اليسار الحريصين على مصداقيتهم أن يستفيقوا من الغفوة وينجوا بأنفسهم من هذا المركب الغارق الذي يسبح ضد التيار بدون ضوابط سياسية أو كوابح أخلاقية والذي أصبح أسيرا للشعبوية التي ما كانت أبدا أسلوب اليسار الوفي لقيمه والراقي في معارضته.
    فرنسا الماكرونية من سيء إلى أسوأ وتحصد الهزائم تباعا في الداخل والخارج وفي كل الجبهات والمجالات. آخر الفضائح الماكرونية تحويلها باريس من عاصمة الأنوار إلى عاصمة الفئران بعد أن حولتها سابقا إلى عاصمة الأزبال بمناسبة الاحتجاجات ضد قانون التقاعد.
    يغزو باريس هذه الأيام حوالي 5 ملايين من الفئران بمعدل اثنين من الفئران لكل مواطن باريسي. عجزت الدولة بكل وسائلها عن وقف انتشار الجردان، بل أصبحت تتعايش معها في الهيئات العمومية والوزارات. انتشار القوارض بهذه الكيفية ليس إلا تعبيرا عن حالة البؤس التي صارت عليها فرنسا والتي تبرز بشكل جلي الأثر السريع والمتفاقم لما حذر منه ماكرون حين حذر من دخول فرنسا مرحلة التقشف وتوديعها لما سماه مرحلة الوفرة. نتذكر جميعا ذلك الخطاب الذي كانت مناسبته أول اجتماع للمجلس الوزاري بعد العطلة أواخر غشت من سنة 2022 حين تنبأ بأن “الأشهر المقبلة ستستدعي على الأرجح بذل جهود وتضحيات في ظل مواجهة العالم لتحول كبير”.
    حرم الفئران من حصتهم من الطعام بسبب الصناديق الفارغة نتيجة الأزمة الصحية فاجتاحت الفئران المنازل بحثا عن القوت وعجزت الدولة بكل إمكانياتها عن مواجهتها في الوقت المناسب مما تسبب في كارثة للفرنسيين الذين اضطروا إلى التعايش معها، ويزيد حدة هذا الفشل اقتراح عمدة باريس آن هيدالغو إنشاء لجنة لدراسة التعايش مع الفئران. هذا هو حال باريس في عهد ماكرون وهذه هي فرنسا التي تبحث لها عن موطئ قدم في عالم الغد وهي عاجزة عن تأمين حياة سليمة للباريسيين وتنفر السياح من زيارة هذه المدينة مما يعرضها لخسارة مهولة لأنها شكلت دوما وجهة سياحية تستقطب عشرات الملايين من السياح سنويا. هل بهذه الإخفاقات يمكن لفرنسا أن تنافس العروض الاقتصادية لدول أخرى لتنمية العالم وربح تدبير مشاريع اقتصادية بمعايير تنافسية شفافة؟ لا أظن ذلك.
    مؤشر ثان للفشل الفرنسي عربيا هو استنجاد ماكرون بمحمد بن سلمان للمساعدة في فك عقدة الملف اللبناني. زيارة ولي العهد السعودي لفرنسا دليل آخر على سياسة الاستدراك الفرنسي على السياسات الخاطئة والاختيارات الفاشلة لماكرون طيلة المدة السابقة ورهانه الخاسر على التقارب مع إيران. ها هو ماكرون يستقبل بن سلمان وهو يبحث عن حلول مالية لأزمته التي أوصل إليها فرنسا والمناسبة هي ترؤس ولي العهد السعودي وفد بلاده المشارك في قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد” والمشاركة كذلك في حفل استقبال رسمي خاص بترشح الرياض لاستضافة إكسبو 2030.
    مؤشر ثالث على الفشل الفرنسي هو العجز عن حل ملف انتخاب الرئيس اللبناني بعد الإخفاق للمرة الثانية عشرة في اختيار رئيس جديد للجمهورية بسبب تعنت حزب الله الحريص على رهن لبنان للأجندة الإيرانية في المنطقة. فرنسا تخسر تباعا وبشكل متسارع مناطق نفوذها في إفريقيا والشرق الأوسط وتفقد ثقة شركائها فيها مما يضطر الأمريكان وغيرهم إلى التدخل عوضها.
    هذه هي فرنسا الماكرونية التي تعطي الدروس للغير وتستقوي على شركائها ولم تعد تتقن غير المناورات والمؤامرات لإخضاعهم ولكنها تتناسى أن الخيارات صارت متنوعة ومتاحة وسهلة الولوج ولم يعد بمستطاع المتحكمين في فرنسا التحكم في غيرها إن رغبوا في سلك مسارات تنموية أخرى بعيدا عن هذا النموذج الذي يفقد بريقه ويتراجع للوراء حد التقهقر.
    في مثل هذه الظروف لا يمكن إلا دعم مواقف المغرب التي تتشبث بمواجهة النزوعات الهيمنية للدولة العميقة لفرنسا وعدم الاستسلام لمخططاتها وفضح مؤامراتها. يلزم الالتفاف حول الدولة المغربية لمن يدعي أنه تحرري ويناهض الإمبريالية والتوحش والاستعمار عوض أن نراه يزايد بهذه الشعارات في قضايا ويناصر أصحابها في قضايا أخرى.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المهندسون يهاجمون الرميلي ويؤكدون أن 90%من ملفات التعمير محتجزة في”دار الخدمات”