العلاقات المغربية الأمريكية .. تاريخ عريق ومصالح مشتركة

العلاقات المغربية الأمريكية .. تاريخ عريق ومصالح مشتركة

A- A+
  • لم يأت اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه يوم 10 دجنبر الجاري من فراغ ولم يأت القرار التاريخي من محض الصدفة، فالعلاقات المغربية االأمريكية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، منذ 1777، وبالضبط في20 دجنبر 1777، وهي الأيام الأولى من تاريخ الولايات المتحدة، وتوطدت رسميا في 1787 عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين البلدين، واعترف المغرب رسميا بالمستعمرات الأمريكية كدولة ذات سيادة موحدة، وتم إعادة التفاوض حول المعاهدة في عام 1836، وهي لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا، مُشكلةً بذلك أطول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة دون انقطاع، كما احتضنت طنجة أقدم مقر دبلوماسي أمريكي في العالم، الذي تحول اليوم إلى متحف، وهي المعلمة التاريخية الأمريكية الوحيدة التي تقع خارج أرض الولايات المتحدة.

    واعترفت الإيالة الشريفة (المملكة المغربية) باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777، حيث أقدم محمد الثالث على إصدار منشور من مدينة مكناس يتعلق بالسماح لعدة دول بممارسة نشاطاتها التجارية مع المغرب، وكانت من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية.

  • وقد اعتـُبـِرت المبادرة المغربية اعترافا بسيادة أمريكا واستقلالها. كما قام السلطان بتعيين إتيان دو ديبير كاي وهو فرنسي مقيم في سلا، بتولي مهمّة قنصل أمريكا في المغرب،. ومباشرة بعد هذا التعيين قام إتيان دو ديبير كاي، في سبتمبر 1779، وبتعليمات من سلطان المغرب، بمراسلة الكونغرس الأمريكي عبر بنيامين فرانكلين، يخبر الأمريكيين بتعيينه قنصلا لهم في المغرب.

    ونظرا لبطء الدبلوماسية الأمريكية بسبب الصّراعات الداخلية آنذاك، اتخذ المغرب إجراءات صارمة ضد السفن الأمريكية التي تمارس الملاحة البحرية دون أداء الواجبات التي تفرضها الاتفاقيات على باقي الدول. فقام الجانب المغربي، سنة 1784، بحجز سفينة أمريكية كبيرة في انتظار أن تقوم الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقيتها مع المغرب، وعقب الحادث اتخذ السلطان محمد بن عبد الله قرارات للتقرب من أمريكا، خاصة حينما قام بالإفراج عن تسعة أسرى أمريكيين وقعوا، مع مَركبهم، في أيدي البحّارة المغاربة، وفي سنة 1786 تم التوقيع على معاهدة الصداقة بين البلدين، السائرة إلى اليوم.

    وحينما خلـَف المولى سليمان والده على كرسي الحكم، عهد كاتب الدولة إدمون راندولف للوزير الأمريكي المفوض في البرتغال الكولونيل دافيد رامفري بأنْ يقوم بالمساعي اللازمة من أجل الحصول من السلطان مولاي سليمان على تجديد الاعتراف بالاتفاقية الأمريكية -المغربية.

    وبسبب مخاوفَ أمريكا من سياسة الانغلاق أو الاحتراز التي اعتمدها المولى سليمان، حيث قطع جميع الصّلات التي كانت بين المغرب وأوروبا، وقلـّل من المعاهدات التي أبرمها والده، وأغلق المراسي ومنع العلاقات التجارية الدبلوماسية، استطاعت واشنطن أن تنتزع اعتراف المولى سليمان بالاتفاقية التجارية، حيث راسل السلطان الجديد الرئيس الأمريكي، وجاء في خطابه: “نحن على السّلم والمهادنة معكم على نحو ما كان بينكم وبين والدنا المقدس”. وقد رحّب أعضاء الكونغرس بالرسالة، وتم إثر ذلك تعيين قنصل جديد لأمريكا في المغرب، وهو جيمس سيمسون، الذي التحق بطنجة، حيث توجد البعثات الدبلوماسية.

    العهد الحديث

    عمل فرانكلين روزفلت منذ سنة 1943 على منح دعمه للسلطان محمد الخامس في كفاحه من أجل استقلال المملكة. ومن منطلق هذا التقارب نشأت العديد من الصداقات الشخصية، كتلك التي نشأت خلال نفس السنة بين ولي العهد آنذاك، مولاي الحسن، والشخص الذي سيصبح في ما بعد نائبا لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فيرنون وولترز.

    تحافظ العائلة الملكية وعائلة كلينتون على علاقات تتجاوز إطار البروتوكول، وهو ما كان واضحا خلال حضور بيل كلنتون لجنازة الملك الحسن الثاني وزفاف خلفه الملك محمد السادس.

    دونالد ترامب يلتقي الحسن الثاني حول مائدة كسكس

    ظل الملك الحسن الثاني حريصا على توطيد علاقاته برجال المال والأعمال الأمريكيين، سيما وأن الثري مالكولم فوربس اعتاد على استضافة كبار المستثمرين الأجانب، والاحتفال بعيد ميلاده في قصره بمدينة طنجة، في جو صيفي يختلط فيه رجال المال بأهل الفن والسياسة.

    وفي 18 غشت سنة 1989، حسب ما تم ذكره في بعض المصادر، فقد اجتمع عدد من الأثرياء والسياسيين والفنانين العالميين في لقاء تاريخي بطنجة للاحتفال بعيد ميلاد صديقهم، مالكولم فوربس، في قصره الخاص بحي مرشان، وكان الحسن الثاني، ملك المغرب، حينها ضيفا استثنائيا على الحفل، وكانت التعزيزات الأمنية جد مكثفة.

    ولأنه لم يكن يحتل منصبا سياسيا قياديا، فإن دونالد ترامب لم يلفت الأنظار على غرار باقي كبار الضيوف أمثال هنري كيسنجر وزوجته، وإمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، وجيمس غولد سميث، والفنان خوليو إغليسياس، ومشاهير لهم علاقة بمنظم الحفل.

    ولم يكن ترامب مقربا من محيط الملك في تلك الليلة، رغم أنه كان حينها من أشهر رجال الأعمال في الولايات المتحدة٬ وفي سنة 1992 تجدد اللقاء بين الحسن الثاني وترامب، بمدينة نيويورك، حين أقام ملك المغرب في الفندق، الذي يملكه دونالد الذي كان برفقة زوجته السابقة مارلا مابلز، وأصرا على التقاط صورة للذكرى مع العاهل المغربي.

    وذكر دونالد ترامب الملك بكونه صاحب الفندق الذي أقام فيه الحسن الثاني بمدينة نيويورك في الفترة التي حضر فيها قمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأعاد إلى الأذهان ما دار بينهما وكشف عن صورة جمعتهما في مدخل الفندق.

    وتفسر رئاسة لجنة القدس التي يتولاها الملك محمد السادس، وأهمية جالية اليهود المغاربة الموجودة بإسرائيل، (تفسر) جزئيا هذه المكانة الديبلوماسية المتميزة للمغرب، وعندما تعلق الأمر بإنقاذ مشروع الرئيس السابق، جورج وولكر بوش، الرامي لدمقرطة “الشرق الأوسط الكبير”، وقع الاختيار على الرباط من أجل احتضان منتدى المشروع الذي لم يكتب له النجاح.

    وكان لوساطة وزير الخارجية الأسبق كولين باول دورا حاسما في الرسو بأزمة جزيرة ليلى إلى بر الأمان وإيجاد حل صيف سنة 2002. رغم أن الموقف الأمريكي لا يظهر حول قضية الصحراء كما هو الشأن بالنسبة للموقف الفرنسي، إلا أن الدعم الأمريكي لم يطرأ عليه أي تغيير في إطار الشرعية الدولية وداخل الأمم المتحدة.

    وخلال الخطاب الشهير لباراك أوباما بالقاهرة سنة 2009 ذكر ما نصه:

    “أعلم كذلك أن الإسلام كان دائما جزءا لا يتجزأ من قصة أمريكا حيث كان المغرب هو أول بلد اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية. وبمناسبة قيام الرئيس الأمريكي الثاني جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس فقد كتب ذلك الرئيس أن “الولايات المتحدة لا تكن أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم”.

    التعاون العسكري

    بعد أسبوع من مغادرة جيمي كارتر للبيت الأبيض في 20 يناير 1981، أذن خلفه رونالد ريغان بتسليم شحنة أسلحة إلى المغرب، حيث أصر وزير خارجيته «ألكسندر هيغ»، خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، على ضرورة تسوية نزاع الصحراء المغربية الذي يسبب مشاكل كبيرة في المغرب.

    ووقعت الرباط وواشنطن سنة 1983 على بروتوكول يتعلق بإجراء الأبحاث من أجل إنشاء مفاعل مدني تشرف على تموينه جينرال أتوميكس. ولا يزال البرنامج مستمرا تحت متابعة دقيقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

    الحسن الثاني يزور كينيدي قبل أشهر عن اغتياله وجاكلين تزور المغرب سرا

    التقى الملك الحسن الثاني عند زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في مارس سنة 1963، بالرئيس الأمريكي جون كينيدي وزوجته جاكلين، قبل ثمانية أشهر عن اغتيال الرئيس الأمريكي، وتحديدا في 22 نونبر من العام نفسه.

    وحينما زار الرئيس الأمريكي وزوجته ملك المغرب في مقر إقامته بواشنطن، وكان مرفوقا بسفير المغرب في الولايات المتحدة والمبعوث الدائم للمملكة في مقر الأمم المتحدة وسفير أمريكا في المغرب. قال كينيدي للحسن الثاني إنه «على الرغم من المحيط الواسع الذي يفصل دولتينا، إنهما مرتبطتان معا على طول التاريخ». وعبر ملك المغرب عن امتنانه لحفاوة الاستقبال، وتمنى أن تجمع البلدين علاقة تعاون حقيقية غير أنانية.

    وأشارت جاكلين كينيدي في مذكراتها إلى هذه الزيارة دون أن تذكر اسم الحسن الثاني، وقالت: «عندما يأتينا رئيس من دولة إفريقية يجلس إليه جون كينيدي، وبعد المقابلة البروتوكولية يدفع الرئيس الإفريقي بورقة مطالب للرئيس الأمريكي، وبعدها يتم النقاش مباشرة في كيفية تلبية تلك المطالب، ولكن الأمر مختلف مع ملوك إفريقيا (تقصد الملك الحسن الثاني) لم يتم تقديم مطالب مكتوبة وحين يئس كينيدي وجه سؤالا مباشرا، وقال: «أليس لديك مطالب، فأجابه بالنفي”.

    العلاقات المغربية الامريكية المعاصرة:

    يعد المغرب شريكا للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، التي تم إعلانها عقب أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001. وإذا كانت السلطات المغربية قد وقفت أمام الضغوط الكبيرة للإدارة الرئيس السابق بوش من أجل إشراكها في الحملة العسكرية بالعراق، إلا أنها أبدت تعاونا كبيرا مع واشنطن على عدة مستويات مثل التنقيل وتوفير الخبراء وخدمات الترجمة والمتابعة الدقيقة للمجموعات السلفية. ولقد تعبأت الأجهزة المغربية كاملة من أجل التصدي لتهديد القاعدة، وكانت الرباط محطة توقف لـ “الطائرات الشبح” التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، والتي استعملتها من أجل تنقيل جلسات الاستنطاق التي كان يخضع لها بعض معتقلي غوانتنامو.

    مع ظهور تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تعززت مكانة المغرب في إطار المبادرة الأمريكية لمنطقة الساحل، الرامية لتأمين الامتدادات الصحراوية الشاسعة من موريتانيا إلى تشاد. وعلى اعتبار عراقة العلاقات بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والاستخبارات المغربية ولادجيد، فإن التعاون بين الطرفين ظل دوما متسما بسلاسة كبيرة.

    التبادل التجاري

    تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية المغربية في 15 يونيو 2004. ثم تم التصديق عليها بأغلبية أعضاء مجلس النواب، وإجماع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في شهر يوليو من نفس العام. وافق البرلمان المغربي على الاتفاقية في يناير 2005، وبدأ العمل بها في الأول من يناير 2006.

    توفر هذه الاتفاقية للولايات المتحدة أكبر قدرة على الدخول إلى الأسواق عن أي اتفاقية تجارة حرة عقدتها مع دولة نامية: حيث أصبحت 95 بالمائة من البضائع معفاة من الضرائب، ومن المخطط إزالة جميع التعريفات الضريبية المفروضة على باقي البضائع خلال 15 عاما، ومعظمها خلال 9 سنوات فقط. ووثقت هذه الاتفاقية أنواع أخرى من التنمية كالشفافية وحقوق الملكية الفكرية، من أجل إزالة المزيد من العوائق التجارية التي تعترض الشركات الأمريكية الآملة في العمل بالمغرب.

    في العام الأول من بدء العمل بالاتفاقية زادت صادرات الولايات المتحدة للمغرب بنسبة 65 بالمائة، كما ارتفعت الصادرات المغربية لأمريكا بنسبة 20 بالمائة عن العام السابق.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المتفرج الأمريكي يكتشف تاريخ المغرب الحديث من خلال فيلم “خمسة وخمسين”