رجاء …
اكتبوا مذكراتكم

رجاء …
اكتبوا مذكراتكم

A- A+
  • التاريخ يصنعه فاعلون مختلفون، والذاكرة الوطنية هي إرث جماعي مطلوب منا جميعا صونه وحمايته من الضياع، وأمة بلا ذاكرة هي أمة معرضة للزوال والتلاشي، فالماضي مرآتنا الضرورية لمعرفة ما يحدث في الحاضر، و يمنحنا فهمه واستيعابه من بناء أسس المستقبل..
    بعد جفاف، منذ أن رحل زعماء كبار في السياسة كما في الفكر والثقافة والفن، وحملوا معهم ذاكرتهم وجزءا من التراث المشترك للمغرب، والتي كان يمكن أن تسلط الضوء على قضايا كثيرة حدثت في الماضي خاصة زمن المقاومة ومعركة التحرير، والصراعات الكبرى التي انبثقت مع فجر الاستقلال وكواليس ما كان يجري ويدور في الحلقات الصغرى لصناعة القرار السياسي في المملكة في مراحل غامضة من تاريخ المغرب المعاصر، ماذا لو كانت كتب علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الكريم الخطيب وعبد الله إبراهيم وعلي يعته والمعطي بوعبيد وأحمد عصمان وأحمد رضى اكديرة والمستشارون الملكيون، وكبار المثقفين من أمثال محمد الفاسي وعزيز لحبابي ومحمد بلعربي العلوي وغيرهم..؟ أي كنوز ثمينة كانت ستمكننا من فهم أكبر لمسارنا التاريخي ولجزء كبير من تعقيدات حاضرنا، لكن للأسف رحلت برحيلهم ذاكرة وطنية مهمة..
    لكن منذ بدايات هذا القرن، انحلت عقدة لسان زعمائنا وقادتنا الكبار، ترك لنا الملك الراحل كتاب “التحدي” و”ذاكرة ملك”، وجاءت مذكرات زعماء كبار أمثال عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي، الفقيه البصري، عبد الواحد الراضي، محمد اليازغي ومعتقلي اليسار، المحجوبي أحرضان.. بالإضافة إلى ما كتبه صحافيون وفاعلون في مجالات وقطاعات متعددة ومذكرات السجون والمعتقلات السرية للرايس والمرزوقي وعائلة أوفقير وغيرهم، والشهادات التي أدلى بها فاعلون أساسيون في حوارات صحافية لا زالت تنتظر الجمع والتوضيب وإعادة إخراجها من بطون الجرائد … ومن المرتقب في الأيام القادمة أن تصدر مذكرات محمد بن سعيد آيت يدر، ومذكرات محمد بوستة كما في حدود علمنا..
    يبدو فجأة كما لو أن ذاكرتنا تستعيد عافيتها، والمغاربة يسترجعون تاريخهم المكتوب من زوايا متعددة من طرف فاعلين صنعوا الحدث أو عاصروه أو كانوا قريبين من فرنه الداخلي..
    في فرنسا تصدر حوالي 250 مذكرة في السنة، وكتاب المذكرات من السياسيين والفاعلين الاقتصاديين والنجوم والمشاهير والرؤساء والوزراء ورجال ونساء الأعمال والمجرمون وعارضات الأزياء وداعرات ومنظفو البلدية وجنرالات وجنود بسطاء ورياضيون، ومغنون ونجوم الفن بمختلف فروعه ومجالاته، ورجال ونساء الأمن والصحافيون وطباخون ومديرو مقاهي وحانات أو مطاعم وفنادق، وسائق طاكسي ومريض نجا من داء خبيث أو حادثة سير مفجعة…
    الكل يكتب مذكراته ويومياته ليس دوما بدافع الشهرة والمال والنجومية، وإنما لنقل تجربة إنسانية وتسليط الضوء على جوانب تاريخية من مهنة أو محنة أو واقعة أو حدث أو تجربة.. أي ما يشكل تاريخ أمة معتزة بذاتها وحريصة على ذاكرتها.
    لذلك لا يمكن إلا التوجه إلى جميع الفاعلين في مجالات مختلفة سياسية وفنية وإعلامية ورياضية وجمعوية وغيرها… اكتبوا يرحمكم الله مذكراتكم، دونوا يومياتكم، لا تستهينوا بالوقائع الصغرى التي تعبر حياتكم، فهي جزء من الذاكرة المشتركة لكل المغاربة، كتابتها وتعميمها على الجمهور فيه خير وفائدة على تاريخنا وذاكرتنا، التي كلما كُتبت وقائعها وأحداثها من فاعلين مختلفين تمكنا من فهم أكبر وأعمق لذواتنا، ونجحنا في تفسير أحداث كثيرة تعبرنا.. فلنحم ذاكرتنا المشتركة من الضياع.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الأمير مولاي رشيد ترأس مأدبة عشاء أقامها الملك على شرف المدعوين