رجال الدولة الكبار

رجال الدولة الكبار

A- A+
  • هناك رجال في السياسة، وهناك أشباه رجال أو أنصافهم، وصفة «الرجال» هنا ليست ذات ماهية ذكورية كي نستثني منها النساء، إنها صفة فقط اعتدنا بها نعت كل من كان صاحب مواقف كبرى وأبدى فعالية استثنائية وألمعية خاصة أو اتخذ قرارا شجاعا، بهذا المعنى ندخل سعد الدين العثماني وعبد الإله بن كيران في مصاف رجال الدولة الكبار لجرأة المواقف السياسية المعبر عنها في لحظة دقيقة وتحملها بقرار شجاع.

    بالأمس فقط كان الشارع يستغرب برودة دم رئيس الحكومة الذي ظل يوزع ابتساماته علينا حتى في لحظات حزننا، ووصفه فايسبوكيون بالملون الأبيض الذي لا ينجر(يُبرى) ولا يلون ولا يصلح لشيء وهو الذي لا نستعمله ضمن باقي الملونات، ملون أبيض جميل لا فعالية له، بل إن شبيبة حزبه، أو بعضا منها قاموا بإعداد تقرير أسود عن مرحلة قيادة سعد الدين العثماني للحكومة، وأشبعت وثيقة الشباب رئيس الحكومة نقدا وتقريعا معتبرة أن الحزب تضرر من قيادة العثماني للحكومة التي لم تتخذ قرارات كبرى مقارنة مع ما حدث برأي الشباب مع عبد الإله بن كيران.

  • وها هي الوقائع تكذبنا جميعا، لقد أفصح سعد الدين العثماني عن ذكاء كبير، وعن حنكة ومران سياسي وعن قدرة فائقة على اتخاذ حتى أشد القرارات إيلاما في اللحظات الصعبة، لأن الأمر يتعلق بالمصالح الحيوية للدولة المغربية، وبأبعاد استراتيجية نوعية ترتبط بمستقبل أمة، لا يعي صهدها إلا من يوجد في دائرة صنع القرار، و«اللي يقول العصيدة باردة يدير فيها يديه».. ما قام به سعد الدين العثماني لحظة اتخاذ قرار عودة العلاقات مع إسرائيل وتوقيعه كوزير أول اتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، وهو رئيس حزب سياسي بنى مواقفه على أن القضية الفلسطينية جزء من الدين، ولطالما عبر عن مواقف كأي حزب معارض من إسرائيل وانتقد استقبال المملكة لمسؤولين إسرائيليين في وقت سابق.. لكن في اللحظة التي احتاجت فيها قضايا الدولة لرجالات في مستوى تحمل أعباء الحدث بكل تكاليفه الباهظة على حزبه، كان سعد الدين العثماني رجل دولة بامتياز، عبر عن موقف سيظل موشوما له بمداد الفخر مثلما فعل رجال سياسة كبار مغاربة من طينة عبد الرحمان اليوسفي وامحمد بوستة وعبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي وغيره من الرجال الوطنيين الذين “صدقوا ما عاهدوا الله عليه”.. ويجب علينا أن نستحضر الانتقادات التي وجهت لأقربهم من حيث الزمن: اليوسفي في حكومة التناوب وعبد الرحيم بوعبيد حين احتاجت قضية الصحراء أن يوجد في قلب الحكومة في منتصف الثمانينيات، لكنهم كلهم ظلوا في قلوب المغاربة ووشموا التاريخ، وهذا ما قام به سعد الدين العثماني كرجل دولة احتاجته مصالح استراتيجية لوطنه، فكان في الصف الأمامي وهو مستعد لتحمل التكلفة، التي عبر عنها حتى باستقالته من رئاسة حزبه وهو ما يعني بالضرورة استقالته من رئاسة الحكومة..

    نفس هذا الموقف الوطني عبر عنه عبد الإله بن كيران بصدق الكبار في خرجته الأخيرة على إثر ردود الأفعال داخل حزب العدالة والتنمية وجناحها الدعوي الإصلاح والتوحيد، حيث أكد أن التربية السياسية الأصيلة تقتضي اللحمة المغربية والاصطفاف وراء جلالة الملك، لأن الأمر يهم قضية حيوية ومصيرية، وفي القضايا الوطنية تبدو بعد القرارات والمواقف الجريئة صادمة ومؤلمة بل وقاسية، ومرغم رجل الدولة على اتخاذها لأنها ترتبط بقضية استراتيجية للوطن ولا مفر منها.. وكعادته في المواقف الكبرى كان عبد الإله بن كيران دوما ينتصر للقضايا الحيوية للدولة المغربية، ولقد اتخذ العديد من الإجراءات القاسية حتى لما كان رئيسا للحكومة خدمة لقضية وطنه..

    فهنيئا لسعد الدين العثماني وعبد الإله بن كيران بدخول نادي كبار رجالات الدولة، وبترك بصمتهما على التاريخ المغربي بتحليهما بروح الشجاعة والجرأة حتى في اتخاذ قرارات ضد حزبهما أو مصلحتهما الشخصية لخير هذه الأمة ولفائدة هذا الوطن، أما المعارضة ومواقع الرفض فهي مريحة وغير مكلفة لكنها لا تنتج لا رغيفا ولا دقيقا، ولا تقدم أي إضافة للدولة وقضاياها الحيوية. فطوبى لكما..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الرباط : بوريطة يستقبل شقيق رئيس المجلس الرئاسي الليبي والوفد المرافق له