بسيمة والمكفوف

بسيمة والمكفوف

A- A+
  • استيقظنا صبيحة يوم من أيام هذا الأسبوع على مأساة جديدة، ونحن لم نشف بعد من جراح الشابة حياة، بعد مصرع كفيف على إثر سقوطه من فوق سطح بناية وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في أكدال بالعاصمة.. مشهد مؤلم رافق موت الشاب صابر الحلوي وتشييع جثمانه.. تعازينا الحارة لأسرة الفقيد نتمنى أن يرزقهم الله الصبر والسلوان، وأن يشمل بمغفرته ورحمته المرحوم ويدخله جنان النعيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون..
    من المسؤول عن هذه الدراما الحزينة؟

    لا يمكن أن نحمل بسيمة الحقاوي سلب حياة المرحوم صابر الذي حمل (اسمه الشخصي (الصبر) ولم ير من اسمه العائلي (الحلوي ما يُحلي به مرارة الحياة وقساوة المجتمع، فالأرواح بيد الخالق، يهبها ويسلبها أين ومتى شاء تعالى، لكن صابر لم ينتحر، لم يختر موته بهذا الشكل التراجيدي، فهناك دافع كان وراء اقتحام مجموعة المكفوفين المعطلين – وضمنهم الفقيد- لمقر وزارة بسيمة الحقاوي اسمه البحث عن الشغل، عما يحفظ للمرء الكرامة ويمنح الإنسان الحق في الأمل..

  • بعد مصرع الكفيف صابر الحلوي توالت بيانات وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية التي تحمّل المكفوفين وزر ما حدث بعد رفضهم للحوار، بل اتهمت الوزيرة الحقاوي المعطلين المكفوفين بـ”اقتحام باب الوزارة خارج أوقات العمل، بعد كسر الباب الحديدي والباب الزجاجي”، وجاء في بلاغ صادر عن الوزارة أنه “بعد واقعة اقتحام الوزارة من طرف مجموعة من المكفوفين صبيحة يوم الأربعاء 26 شتنبر 2018 وصعودهم سطح البناية، حيث تم التأكيد على الاستعداد الدائم لمواصلة الحوار، على أساس نزولهم من السطح تأمينا لسلامتهم الجسدية، الشيء الذي تم رفضه من قبلهم”.. كنا نتوقع بلاغا يليق بالظرف الإنساني لأصدقاء المرحوم ولأسرته، ويقدر حجم الحادث المأساوي، فإذا بالوزيرة بسيمة الحقاوي – التي ابتسم لها الحظ على خلاف الكفيف صابر الذي ظلمته الطبيعة و المجتمع معا- تؤكد أنها حرصت منذ أول يوم على فتح كافة قنوات الحوار الممكنة، سواء بالتواصل المباشر مع ممثلي المعنيين أو بالمحادثات الهاتفية، لكن هل أدى الحوار إلى حل المشكل، هل طرحت حلولا منصفة وعادلة رفضها المكفوفون حتى نحملهم وزر مصرع زميل لهم؟.

    إن مجرد مباشرة السلطات المحلية حوارها مع المعتصمين، وعقد سلسلة من الاجتماعات الحوارية يدل على أن الوزارة لم تكن لها أي حلول، وأنها كانت تود فقط أن ينفضَّ المكفوفون المعتصمون ويعودوا إلى ديارهم، حتى تعتاد الوزيرة دخول مكتبها بأمان وسلام، وتجلس على كرسيها الفخم، وتتمتع بكون الكل مستعد لخدمتها والانحناء أمامها، وصابر الحلوي لم يجد عملا يحفظ كرامته وكان مستعدا للاعتصام وتحمُّل كل قساوة العيش بحثا عن فرصة شغل، هل طلبوا المستحيل وهم في وضع استثنائي، حيث كل التشريعات الدولية تنص على معاملة خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة وضمنهم ذوي الإعاقة البصرية، لا ولوجيات وجدها هؤلاء أمامهم، سوى الولوج إلى المستشفى إذ أحضرت لهم بسيمة الحقاوي سيارة إسعاف رابضة بقرب مقر وزارتها، بدل تيسير ولوجيات الحياة، منحت وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية الفقيد صابر ولوجيات الموت بيسر. كيف قطعت على المعتصمين الماء والكهرباء، وتركتهم في وضع يفتقد للشرط الإنساني الذي تفرضه المواطنة، للضغط عليهم لمغادرة بناية الوزارة؟ كيف لم تبحث عن حل استثنائي لوضع استثنائي يعيشه هؤلاء؟.

    في كل الدول التي تحترم مواطنيها خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة، تمنحهم الوسائل الكفيلة ليحسوا بحريتهم واستقلاليتهم، وتقدم تعويضا عن الإعاقة وليس مجرد إعانات أو صدقات، وتيسر لهم اقتناء المعدات التقنية، التي تيسر لهم سبل تدبير المعيش اليومي، وتزود عمرانها وشوارعها بتطبيقات خاصة في مجال النقل والاتصال والشغل وتجهز الأماكن العمومية بكافة الولوجيات، لتسهل الحياة على المكفوفين والمعاقين بشكل عام.. في حين لم تتفتق عبقرية الوزيرة بسيمة الحقاوي سوى أن توجد سيارة إسعاف بقرب مقر وزارتها لحمل المتضرر من المعتصمين إلى المستشفى أو المقبرة كما حال الفقيد صابر الحلوي.

    ولكن لن نلوم حكومة بعض أعضائها انشغلوا بتوفير المدلكات لهم، والاستمتاع بالحور العين في الحياة الدنيا قبل الآخرة، لن نحمل بسيمة وزر مصرع صابر ومحنة باقي المكفوفين، لأن حكومتنا الموقرة بدل الانشغال بقضايا المواطنين انشغل عدد من وزرائها بمتع الحياة من مال ونسوة وبنين.. بين باريس وسويسرا، واتخذوا من بعضهم البعض خلانا وخليلات، وانشغلت الحكومة الإسلامية بالتزويج والتطليق وحضور مآدب الخطوبة وعقد القران، وتطليق نساء أو رجال انتهت مدة صلاحيتهم (ن)، والذين لم يراعوا عشرة عقود من الزواج، هل سوف يفكرون في المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة؟ حاجة وحدة ولينا طالبينها.. “اللهم لطفك يارب”.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الشرطة القضائية بتنسيق مع الديستي توقف شقيقين يشكلان موضوع مذكرات بحث