اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه

اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه

A- A+
  • ثمة ثابت جوهري في علاقات المغرب الخارجية وهو “التغيير في ظل الاستمرارية”، أي أن العلاقة التي تربط المملكة الشريفة مع باقي دول العالم، لم تكن يوما مزاجية ولا يحكمها الاعتباط والتذبذب، لذلك نتحدث عن علاقات تاريخية مع فرنسا وأمريكا ودول أفريقيا وبريطانيا وإسبانيا أو البرتغال، حين قال المارشال ليوطي وفرنسا تحتل المغرب: “لقد وجدنا هاهنا دولة، وجدنا أمة”، كان يتكلم عن مؤسسات عريقة، متخلفة أو حداثية هذا موضوع آخر، المهم كانت هناك بالمغرب أمة تقودها الملكية، كانت هناك مؤسسات متجذرة في المجتمع، كانت هناك مقاومة للنموذج الاستعماري للحداثة، انكسرت ثم انتصرت، هذه صيرورة التاريخ، يوم لك ويوم عليك… لذلك أموت من شدة الضحك حين يتحدث السذج من وليدات فرنسا من كون ليوطي هو من أنشأ المغرب الحديث ووضع الراية والنشيد وغيرها من خرايف التابعين للدولة الاستعمارية.
    كانت العلاقات الخارجية المغربية تتسم دوما بالاعتدال إلا في التقدير الكبير للمصالح الوطنية التي كلما مُسّت، كان التطرف والتصعيد هو نهج السياسة الخارجية للمملكة اتجاه من يريد الدوس على مصالحها، واعتبارها دولة دونية أو تابعة، حدث هذا بين إدريس الأول و هارون الرشيد العباسي للحفاظ على استقلالية الدولة الإدريسية الناشئة بالمغرب الأقصى، ومع يعقوب المنصور الموحدي اتجاه إسبانيا والبرتغال، وحدث مع المتوكل السعدي ضد الأتراك حيث قدم السلطان رأسه قربانا للدفاع عن المصالح الاستراتيجية للمغرب والدفاع عن استقلاليته، ومع المولى إسماعيل و “الإمبراطور الشمس” كما كان يلقب لويس الرابع عشر، وبعده الحسن الأول الذي وقف بقوة اتجاه تجاوز أي دولة مهما بلغ وزنها في الدوس على المصالح الحيوية للمملكة الشريفة.
    ما فهمه ليوطي في بداية القرن الماضي، للأسف غاب عن إيمانويل ماكرون في بداية القرن الحالي، مع العلم أنهما معا فرنسيان، وذلك مكر التاريخ، يمكن اعتبار الأزمة التي لم تعد صامتة بين فرنسا والمغرب، هي جزء من هذا الأساس الذي بنى عليه المغرب سياسته الخارجية المتوازنة والتي تسعى دوما للندية ولاحترام العقود والاتفاقيات، ومقاومة القفز على المملكة حتى في لحظات ضعف أجهزتها ومؤسساتها لهذا السبب أو ذاك.. لماذا لأن العقد الأساسي الذي يجمع بين السلطان والرعية بالمغرب كان ينبني على تقلد الراعي مسؤولية حماية الثغور والذود عن بيضة الإسلام، لذلك ظل السلطان المغربي محاطا بهذا التقليد أو ما يسميه عبد الله العروي بالمسؤولية الكبرى، وحين تنفرط هذه العروة الوثقى تنهار البيعة كما في حالة السلطان المولى عبد الحفيظ الذي وقع على عقد الحماية.
    يحتاج ماكرون فرنسا إلى هذا الدرس التاريخي، لأنه بدأ يتعامل مع المغرب كما لو أنه وصي على مستعمرة، أو كما لو أن المملكة إحدى المقاطعات الفرنسية التابعة لحكمه، ومقابل تقدير المغرب للمصالح الاستراتيجية لفرنسا المحفوظة ليس فقط بقوة القانون بل بقوة أخلاق دولة تحترم التزاماتها وتعتبر الدفاع عنها جزءا من مشروعية وجودها، ما قام به حزب ماكرون وجبهته الحاكمة اتجاه المغرب يعتبر مسيئا لوجه فرنسا وتاريخها وسوء تقدير كبير لمصالحها، لكن نتفهم أنه ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد من سياسة فرنسا اتجاه مستعمراتها القديمة خاصة في القارة السمراء، منذ جاء ماكرون إلى الحكم. اللعب الصغير للدولة العميقة في فرنسا، من خلال أزمة السفراء والتشدد في منح التأشيرات، تجييش الإعلام والحملات الموجهة اتجاه المملكة وقرار البرلمان الأوربي، واللعب على إثارة الغيرة من خلال الميل إلى الجار اللدود يعتبر نوعا من اللعب الصغير، نعي خلفياته الكامنة أساسا في التوجه الملكي نحو إفريقيا وتنويع الشركاء من إسبانيا وأمريكا إلى البرتغال وبريطانيا.. وفي إحراز المغرب لمواقع مهمة في الرقعة الجغرافية إقليميا ودوليا.. وماذا بعد؟
    المغرب دولة أصيلة بمؤسسات قوية، وها هي زيارة إيريك سيوتي، زعيم حزب الجمهوريين الفرنسيين إلى المغرب تؤتي ثمارها، واللي عندو باب واحد الله يسدو عليه، حيث أكد الزعيم الفرنسي عزمه الاعتراف رسميا بمغربية الصحراء حال انتخابه رئيسا للجمهورية، بل ذهب في تصريح صحافي إلى أن “المسار التنموي الذي قاده المغرب في أقاليمه الجنوبية يجعل من النزاع حول هذه المناطق مجرد افتعال من الجزائر لأسباب سياسية داخلية».. إنه لعب الكبار، وصدق الراحل دوغول حين قال لا مستقبل لفرنسا خارج إفريقيا ولا مستقبل للجمهورية خارج شمال إفريقيا، لكن على من كتعاود زابورك أداوود على ماكرون؟!

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
     طقس اليوم الجمعة: حار نسبيا كما يتوقع انتشار كتل ضبابية محلية بمناطق الغرب