لا صحافة بدون مؤسسات قوية

لا صحافة بدون مؤسسات قوية

A- A+
  • لا صحافة بدون مؤسسات قوية

    ما وصلت إليه الصحافة اليوم بالمغرب يدعو حقيقة للتفكير خارج الحسابات الضيقة، وبأفق مفتوح لفهم ما وصل إليه حال إعلامنا من تردي ومن عجز وضعف مقاولاتي وتأثير محدود يكاد يصل إلى درجة الصفر، ومن أوضاع مأساوية أحيانا للصحافيين والصحافيات الذين رغم المهام الصعبة التي يقومون بها يجدون أنفسهم في ظل هشاشة اقتصادية ووضع اعتباري متدني على المستوى الاجتماعي.. منذ أن وضع الإخوة والزملاء ثقتهم في شخصي المتواضع لرئاسة الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، وأنا أؤكد على أنه لا يمكن لنا كمقاولات إعلامية أن نتسول الإشهار وأن ننتظر صدقة الحكومة بالفتات من الدعم الذي لا يذهب حيث يجب أن يكون، فلا إعلام بدون مقاولات لها نموذج اقتصادي ناجح وفعال للصمود في لحظات الأزمة، البعض فهم الدعم كما لو أنه إعادة امتلاك الدولة لوسائل الإعلام وللمقاولات الصحافية، حتى ولو كان هو المستفيد الوحيد من هذا الدعم، والحقيقة أن الدعم هو استثنائي ولا يكون إلا في اللحظات الصعبة حقا، وإلا فإن مصدر الدعم يصبح متحكما في الخط التحريري حتى عبر الرقابة الذاتية فقط.
    لقد تحدث عالم الاجتماع الألماني «ماكس فيبر» في بداية القرن الماضي في دراسة كانت مفتاحا لتأسيس ما يسمى اليوم علم اجتماع الصحافة الحديثة، خاصة في كتابه «الصحافة في مرآة الرأسمالية الحديثة» حيث أدى تحليله لأوجه قصور الديمقراطية في المجتمع الألماني إلى الالتفات إلى دور الصحافة باعتبارها عنصرا هاما في تكوين المجتمع المدني، حيث أكد على أن مفتاح التطور الديمقراطي يفرض وجود مقاولات صحافية كبرى كشرط أساسي لاستقلالية الصحف وتحولها إلى منبر يعكس القيم الحديثة وترسخ الاختلاف والتنوع لأنها المرآة الحقيقية للمجتمع الحديث.
    ما الذي تقدمه صحافة يعتبر مدير نشرها هو رئيس تحريرها وسكرتير تحريرها والصحافي والمصور والتقني ومراجع النصوص والباحث عن الإشهار.. و… للصحافة وللمجتمع؟ هل الدعوة إلى دعم نموذج اقتصادي لمقاولات قوية واستقرار اجتماعي لمختلف العاملين بها لتصبح مساهمة في التنمية ومحققة لاكتفائها الذاتي للتفرغ لمهامها الطبيعية التي ليست هي استجداء المال وصدقات الإشهار وجعل الصحافيات والصحافيين مثل متسولين بلا وضع اعتباري في المجتمع؟ ما النموذج الذي يقدمه من يريد أن يتلاعب بأصوات المنابر الصغرى في معارك صغيرة ذات طابع زعاماتي وشخصي بل وأناني، بما يقدمه لها من وعود وفتات، بدل الحل الأمثل للتدبير المؤسساتي للمقاولات الإعلامية بالمغرب؟.
    «ماكس فيبر» الذي تحدث عن ضرورة المقاولات القوية للصحافة لتقوم بواجبها كمرآة للمجتمع الحديث، باحث سوسيولوجي وأفضل قارئ لكارل ماركس، لا يهمه مسألة انتخاب المجلس الوطني للصحافة ولن يتسول أمام أعتاب حكومة أخنوش ولا غيره، ولا مصلحة له سوى أن يصدح بالحقيقة، وهي أن لا تطور للمجتمع الديمقراطي بدون مؤسسات إعلامية قوية لها استقلالية في الخط التحريري وتدعم تطور المجتمع المدني وتحمي قيم التنوع والتعدد والاختلاف، ما قاله فيبر في بداية القرن الماضي، هو ما ندعو إليه اليوم في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، ومن في قلوبهم زيغ هم من يحرفون الكلام عن مواضعه، لأنهم لا تهمهم سوى مصالح الزعامة الفارغة، فالشخص الذي كرر القسم في ذات المؤسسة ثم أعاد الكرة مرة أخرى ونحن على يقين أنه سيعاود القسم مرة أخرى، يبدو أن أكبر طموح له هو أن يتوج على رأس المجلس الوطني للصحافة، في حين – واالله يشهد- أن لا طمع لنا في هذا المنصب، ولا في غيره، وإنما نريد إصلاح هذه المهنة وتقوية المؤسسات العاملة بها، وأن لا نتحول كمقاولات إعلامية إلى شحاذين للدعم العمومي، وأن تكون للصحافيات والصحافيين كرامة، واستقرار اجتماعي من خلال نموذج اقتصادي تسود فيه الحكامة والشفافية وروح القانون.. من أجل محاربة الريع والمستفيدين منه الذين لا تهمهم لا مقاولات صغرى ولا تحسين وضع الصحافيات والصحافيين ولا هم له في أن تكون لهذا البلد صحافة مشرفة يستحقها، والدليل سنوات وعقود وهم في المناصب ويتحكمون في كل شيء والنتيجة ثراء شخصي ومقاولاتهم بئيسة والعاملون فيها رموهم في أول أزمة إلى الضمان الاجتماعي لاستخلاص 2000 درهم شهريا «بحالهم بحال العاطلين» إنها الحقيقة المرة والآن يركبون مرة أخرى على الهشاشة ويدغدغون المشاعر لتحقيق حلم شخصي « الزعامة» لن يتحقق لهم أبدا…

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي