بوح الأحد: زيان يحن للأيام الخوالي و يبدأ مسلسل لمزاوڭة بالمقلوب…

بوح الأحد: زيان يحن للأيام الخوالي و يبدأ مسلسل لمزاوڭة بالمقلوب…

A- A+
  • بوح الأحد: زيان يحن للأيام الخوالي و يبدأ مسلسل لمزاوڭة بالمقلوب، البرلمان الأوروبي يطالب المغرب بدليل أن أمنه القومي مستباح بعد فشل توصية تعطيل السيادة القانونية و ماكرون يدخل مرحلة الإكتئاب

    أبو وائل الريفي
    أخطر ما يصيب العقل هو التكلس. يفقد العقل حينها أهم وظائفه ويصاب بداء التقليد والتكرار الممل والمخل. هذا ما أصاب فعلا عقل كتيبة الطوابرية، وجعلهم يكررون نفس الأشكال رغم أنها لم تعط النتائج ولم تنجح في إخضاع الدولة لأجنداتهم. على درب المعيطي وسليمان وراضي يسير هذه الأيام زيان بحثا عن الإثارة لعلها تعيده إلى الأضواء التي لا يستطيع العيش بدونها حتى وهو في السجن يقضي عقوبة على جرائم ارتكبها بالأدلة المادية وبعد حكم قضائي وبعد تمكينه من كل حقوقه للدفاع عن نفسه. إثارة تدهور صحة زيان ومعاناته الشديدة من أمراض مزمنة وتأثره بقساوة البرد مهزلة تؤكد أن هذا ليس إلا بداية لمسلسل ابتزاز الدولة كسابقيه ومحاولة لتحريك الكتيبة الإعلامية للضغط استفادة من سياق يراه أتباع زيان ملائما ورغبة في نيل امتيازات خارج القانون لا يحظى بها كل السجناء الموجودين في نفس الظروف وربما في ظروف أسوأ منها. اعتدنا هذا الأسلوب الابتزازي الذي تتبعه حملات إعلامية تقودها المنشورات إياها، ثم البحث عن وساطات للإفراج عن زيان.
    هل زيان فوق القانون؟ وأين كان هؤلاء حين كان زيان يفاخر بفحولته وقدراته؟ أين زيان الذي كان يتباهى بأنه في هذا السن يقود سيارته بنفسه ويتحدى من ينافسه على هذا الإنجاز؟ أين كانت تلك الأمراض المزمنة والوضعية الصحية السيئة حينها؟
    زيان الذي لا يفتأ يذكرنا بأنه من مواليد سان فالنتان اعتاد الاحتفال بعيد ميلاده على إيقاع طقوس خاصة يعرفها مقربوه جيدا. هو اليوم حزين لأنه يحتفل بعيد ميلاده في غرفة بسجن العرجات رغم أنها تتوفر فيها كل المواصفات المطلوبة ويحظى فيها بالرعاية الطبية اللازمة لوضعه الصحي حسب ما يراه الأطباء وما صرح به هو من أمراض وليس حسب ما يهلوس به باقي الكتيبة “الزيانية”، والخدمة التي يستفيد منها داخل السجن جيدة، سواء ما ارتبط بالتغذية أو الأفرشة أو الأغطية أو الأدوية. ماذا ينقص زيان بعد كل هذا؟! ما الذي ألفه زيان في أعياد ميلاده السابقة ويراه ناقصا هذا العام؟ إنها “البلية”عافانا الله وإياكم.
    السجن ليس نزهة، والسجن سلب للحرية وحرمان من الكثير من ملذات الحياة، والسجن عقاب من أجل إعادة التربية والتأهيل لمن تجاوز القانون وأضر بالغير. ضحايا زيان كثيرات سئمن تحرشاته، وتجاوزات زيان كثيرة في حق غيره. ظن زيان أنه فوق القانون وما يزال. يظن، هو وكتيبته، أنهم بهذه الأكاذيب ينالون تعاطف المغاربة ولكن الحقيقة أن المغاربة يكتشفون بهذه الادعاءات أن هؤلاء يبحثون عن امتيازات خارج القانون لأنهم يظنون أنفسهم مغاربة من درجة استثنائية.
    ادعاءات زيان فارغة ولذلك لم يتفاعل معها إلا كتيبته “الإعلامية” و”الحقوقية” ولم يأخذها الإعلام والمنظمات الحقوقية مأخذ الجد لأن تبنيها سيفقدهم المصداقية عند المغاربة. كان يظن زيان نفسه بطلا قوميا سيشل تنفيذ الحكم عليه كل مرافق الدولة فإذا به يكتشف أنه نكرة.
    كان على زيان التفكير في هذا المآل وعدم استبعاده يوم كان يظن نفسه فوق القانون والمؤسسات. كان على زيان تحيين معلوماته واستيعاب الحقائق كما هي وليس كما يريد هو فرضها على غيره. كان على زيان أن ينتبه إلى سلوكاته العنترية التي لن تنفع في زمن لا تعلو فيه سلطة أخرى على القانون. واليوم على زيان التأقلم مع الوضع والرضى بمصابه لأن الجزاء من جنس العمل.
    ألاعيب كتيبة الطوابرية صارت مألوفة، وأساليبهم صارت ممجوجة، وخضوع الدولة لضغوطهم في حكم المستحيل، واستقواؤهم بالخارج يفضحهم ويضرهم أمام المغاربة. والسبيل الوحيد أمامهم هو الاعتذار للمغاربة وقبول الاحتكام لقوانين البلاد. لا حل غير هذا وما دونه ليس إلا جريا وراء سراب يحسبونه ماء حتى إذا جاؤوه لم يجدوه شيئا.
    شهر العسل بين الكابرانات وماكرون أصبح “حامض” قبل الأوان وكل المعطيات ترشحه ليصبح “علقما”. الطبع يغلب التطبع، ولذلك لم تستطع العقلية الفرنسية الكولونيالية التأقلم مع مقتضيات شراكة غير متكافئة مع الجزائر رغم القبول الطوعي لها من طرف حكام الجزائر. عند أول فرصة، أظهرت فرنسا حقيقتها وكشفت احتقارها لنظام الكابرانات وبينت أن تصريحات ماكرون ضد الشعب الجزائري لم تكن زلة لسان. فرنسا تؤمن أن الجزائر لم تكن أمة وأنها صاحبة فضل عليها وأنها، رغم الاستقلال، لا تزال ولاية ملحقة بها.
    في الوقت الذي كان ماكرون يستقبل شنقريحة في الإليزيه بدبلوماسيته المعهودة وخطابه المعسول كان هناك فريق آخر يخطط لأكبر إهانة للشعب الجزائري.
    انتهكت السلطات الفرنسية سيادة الجزائر ومرغت في التراب قضاءها وفضحت ضعف مخابراتها وعرت فشل كل أجهزتها الأمنية والعسكرية ووضعت في الحضيض قيادتها بعد إقدامها على تنفيذ عملية إجلاء سرية للمعارضة أميرة بوراوي بواسطة موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين فرنسيين رغم أنها مطلوبة أمام القضاء الجزائري وحاملة للجنسية الجزائرية ورغم قرار السلطات التونسية تسليمها للجزائر ورغم حبل الود الواصل بين قيس سعيد وتبون.
    هل يكفي تبون الاستدعاء الفوري لسفيره بفرنسا للتشاور لتبرئة ذمته؟ هل يكفي لعمامرة تنديده بهذا الانتهاك؟ هل يعيد للجزائريين اعتبارهم توصيفُ الفعل الفرنسي ب”غير المقبول” وبأنه يلحق “ضررا كبيرا” بالعلاقات الجزائرية الفرنسية؟ هل هذا هو ما ينتظره الجزائريون؟ هل هذه هي حدود الاستطاعة لدى شنقريحة؟ هل غلت يد حكام الجزائر إلى هذه الدرجة؟ ألم يكن الأجدر بالكابرانات مراعاة مشاعر الجزائريين والرد بشكل متناسب مع هذه الإهانة؟ ألم يكن ممكنا لتبون استعمال سلاح الغاز أم أنه خط أحمر؟ هل يمكن اعتبار استدعاء السفير خطوة أولى ستليها خطوات في حالة عدم تسليم فرنسا هذه المعارضة للقضاء الجزائري؟
    تعود حكام الجزائر تجرع الإهانة من فرنسا. تعودت فرنسا بالمقابل ردود فعل من حكام الجزائر للاستهلاك الإعلامي ودغدغة مشاعر الجزائريين بدون أثر فعلي. ماكرون الذي أنكر صفة الأمة على الشعب الجزائري هو من استقبله تبون في الجزائر بحفاوة وهو من سافر إليه الشيخ شنقريحة فرحا كأنه طفل صغير حاصل على هدية العيد.
    واقعة أميرة بوراوي فضحت حكام الجزائر وأبانت على أنهم أفقدوا الجزائر صفة الدولة وأهانوا الجزائريين ووضعوا البلاد رهينة لفرنسا. بداية المحاكمة كانت خطأ لأن بوراوي معارضة تعبر عن رأيها واتهامُها بالإساءة لتبون لا تسنده أدلة قانونية مقنعة. الاعتماد على السلطات التونسية خطأ في تقدير طبيعة العلاقة مع قيس سعيد الذي يوجد في وضعية خضوع لا تمكنه من تلبية طلبها في ظل مطالبة فرنسا بمن تراها مواطنة تابعة لها. الاطمئنان للتصريحات الدبلوماسية الفرنسية خطأ لأن فرنسا اعتادت اللغة المزدوجة وتظهر نقيض ما تبطن ولا تتصور الجزائر سوى محطة وقود مستباحة لها بدون شروط.
    خرقت تونس قرارها السيادي وخضعت لضغط سفارة فرنسا فتجاهلت دخول بوراوي لأراضيها بشكل غير قانوني وسفرتها تحت رعاية فرنسية ليكون في استقبالها بمطار ليون عقيد في المخابرات الفرنسية. قمة الخضوع والإذلال. هذا مآل تونس اليوم. صارت حطام دولة لا قدرة لها للسيطرة على حدودها والتمسك بسيادتها والانتصار لقرارات مؤسساتها. لم نسمع لمن سوقوا للنموذج التونسي صوتا وهم الذين بشرونا بالديمقراطية التونسية كطريق للخلاص. فضحت هذه الواقعة حقيقة العلاقة التونسية الجزائرية، وبينت أنها أوهن من بيت العنكبوت وقابلة للانفجار في أي وقت حول أتفه القضايا لأنها علاقة استرزاق ليس إلا.
    فضحت هذه الواقعة حكام الجزائر الحريصين على إرضاء الفرنسيس ولو على حساب شعبهم. السبب أنهم يعرفون بأن استمرار حكمهم غير مسنود برضى الشعب بل بتأمين الفرنسيين. ما يحدث من ردود أفعال لا جدوى منه إن لم ينتج عنه فعل يعيد الاعتبار للجزائريين ويوقف حالة الذل التي يضع فيها الكابرانات الشعب والبلاد. تبون يرهن الجزائر للفرنسيين ويضع البلاد عكس التيار الذي تسير فيه دول افريقيا في علاقاتها مع فرنسا. تبون وقيس معا يشجعان النزعة الاستعمارية الجديدة لدى فرنسا ويقويان أطماعها في المنطقة. ماذا ينقص الجزائر لتعيد نفس ما تفعله دول افريقية أخرى؟ ماذا ينقص تونس كذلك؟
    وحدة الجبهة الداخلية والاطمئنان إلى الشعب وقوة مؤسسات الدولة والتوفر على بدائل وامتلاك استراتيجية فعالة والتشبع بالقيم الوطنية. هذا هو السلاح اللازم لخوض معركة التحرر والقطع مع أستاذية فرنسا والحسم مع سياساتها المزدوجة. وهذا ما يفرحنا كمغاربة حين نرى سياسة المغرب التي ترفض الخضوع للوصاية الفرنسية ولا تقبل بغير الشفافية والتكافؤ والندية في العلاقة مع فرنسا وتتصدى بوضوح وقوة لكل المناورات الفرنسية.
    فضيحة غاز كيت تتسع وأدلتها تتزايد والدور القذر لفرنسا فيها يتضح يوما عن يوم. فرنسا تشتري دفء الشتاء من كابرانات الجزائر مقابل تسخير إمكانياتها لضرب مصالح المغرب وجعل إضعافه في سلم أولوياتها. فرنسا مستعدة لبيع كل المبادئ لتأمين مصالحها. فرنسا الماكرونية تضحي بقيم ومبادئ دائمة استجابة لضغوط آنية وأوضاع ظرفية كان يمكن أن تلعب دورا في تقليص تداعياتها أثناء توليها رئاسة الاتحاد الأوربي ولكنها فشلت في تحقيق اختراق يخفف حدة الحرب الروسية الأوكرانية التي ستضعف أوربا كلها.
    تعودت الدولة العميقة في فرنسا البدائل الجاهزة بدون كلفة لتعويض خساراتها والتغطية على فشلها. ألفت الدولة العميقة الانتعاش في مستعمراتها القديمة التي تتعامل معها بمنطق الضيعة. نفاق فرنسا فاق الحدود وازدواجية خطابها لم تعد تطاق وسياسة الكيل بمكيالين لم تعد تخفى على أبسط متابع لسياساتها تجاه المغرب. تحاول إعطاء الانطباع على أن علاقاتها مع المغرب عادية بتصريحات دبلوماسييها الذين ينتقون عبارات باردة ولكنها تتصدر الواجهة في كل المحافل الدولية لمعاداة المغرب. بدل فريق رئيسها في البرلمان الأوربي جهودا خرافية لإقناع البرلمان بإدراج نقطة تجسس المغرب ببيغاسوس بعد فشلهم في إثبات ذلك لاستصدار إدانة أخرى للمغرب بناء على أوهام.
    السفير الفرنسي كريستوف لوكورتيي، حديث العهد بمهمته في الرباط، اختار منبرا إعلاميا مغربيا ناطقا بالفرنسية لينشر رواية مرسلة عن العلاقات الجيدة بين المغرب وفرنسا. الحوار كله للاستهلاك فقط وهو معذور على كل حال لأن هذا جزء من مهمته، واختيار التواصل مع منبر بالفرنسية غير بريء وأسبابه كذلك لا تخفى على متابع. لماذا تدفع الدولة الفرنسية سفيرها في الرباط للعب هذا الدور وتتراجع الخارجية والرئاسة إلى الوراء؟ لماذا تم اختيار منبر مغربي وليس وسيلة إعلام فرنسية؟ لماذا تحاشت وكالة الأنباء الفرنسية في باريس نشر مضامينه وتكلف بالمهمة مكتبها في الرباط؟ لماذا اختار السفير القفز على الحقائق التي تورط فرنسا في مهام قذرة ضد المغرب؟ لماذا تجاهل السفير الجهود الفرنسية الخفية، التي لم تعد تخفى على أحد، لإدراج المغرب ضمن جدول أعمال اللجنة المكلفة بقضية بيغاسوس بالبرلمان الأوروبي؟ أليس في علم فرنسا نتائج التحقيقات التي أجرتها وتحقيقات البرلمان الأوربي براءة المغرب أو على الأقل عدم وجود أدلة ضده؟
    للإشارة، فقد قررت الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في 10 مارس 2022 إنشاء لجنة تحقيق حول استخدام برامج التجسس بيغاسوس وبرامج المراقبة المماثلة. وبعد نصف سنة من التحقيق والمقابلات مع كبار الشخصيات قدمت اللجنة تقريرها الأولي يوم 8 نونبر ولم تخلص إلى ما يفيد تورط المغرب في استعمال بيغاسوس. فما السبب الذي يجعل فرنسا تنبش بدون كلل لتوريط المغرب مرة أخرى في موضوع لا ناقة لها فيه ولا جمل؟
    ينفي المغرب نفيا قاطعا امتلاكه لهذه البرمجية، وأكد في أكثر من مناسبة عدم رغبته في امتلاكها، ووضحت الشركة المالكة لها عدم تعاملها مع المغرب، وراسل المغرب منظمة أمنستي لتقديم أدلتها ولم يتوصل بعد بالجواب، ورفع دعاوي قضائية على المنابر التي اتهمته بالتجسس فتهربت من المتابعة بالاستناد إلى شكليات قانونية رغم أن الواجب الأخلاقي يلزمها احتراما لقرائها أن تثبت صحة اتهاماتها للمغرب بأدلة. فلماذا هذا الإصرار؟ وهل هذا هو معنى العلاقات الجيدة القائمة على الاحترام المتبادل؟!
    تتغاضى اللجنة البرلمانية عن الدول الأوربية التي تمتلك بيغاسوس وتتستر عن خروقاتها القانونية والحقوقية، وتستعمل سلطتها لإخضاع الدول التي تظنها خرجت عن سيطرتها. هاجس هؤلاء جميعا احتكار سوق التكنولوجيا لإخضاع الدول لرغباتها وسياساتها واستعمالها سوطا ضدها وقت الحاجة. لذلك لم تعد توصيات هذه اللجان والمؤسسات تحظى بالمصداقية أو تثير خوف المستهدفين بها لأنها مؤسسات تشتغل وفق أجندات سياسية هدفها تركيع الدول التي ترفض أن تساق كالقطيع.
    لم يعد للبرلمان الأوربي مصداقية لأنه أصبح يتحايل على جداول الأعمال ليوفر منصة لانفصالية مثل أميناتو حيدر وروزا لبث سمومهم ضد المغرب بقبعات حقوقية وصحافية. لماذا لم يتحل البرلمان بالشجاعة لدعوة مغاربة داخل هذه اللجنة للتناظر حول هذه الادعاءات؟ هل يتوقع برلمان يحترم نفسه أن تكون أميناتو حيدر محايدة وموضوعية؟ هل يشرف هذا البرلمان أن يكون قناة لبث ادعاءات مرسلة بدون أدلة ضد دولة شريك للاتحاد الأوربي؟
    كان على البرلمان الأوربي احتراما للشعوب الأوربية التي يدعي تمثيلها أن يمكنها من معرفة الحقيقة من خلال الاستماع لكل وجهات النظر. كان عليه استحضار سلطانة خيا وهي تحمل السلاح وتتباهى بذلك. هل هناك حقوقية تحمل السلاح؟ وهل يجهل هذا البرلمان الخروقات الحقوقية في الجزائر وتندوف؟ ولماذا لم يستدرك أخطاءه فيستمع لضحايا سليمان وراضي وبوعشرين؟
    مر ما يقارب الشهر عن صدور توصية البرلمان الأوربي الظالمة ضد المغرب. فماذا كانت النتيجة؟
    اكتشف أصحابها أنها لا قوة إلزامية لها، واكتشف المغاربة أن تلك المؤسسات سلكت مسلكا عدائيا للمغرب، واكتشفت فرنسا أنها خسرت أكثر مما ربحت بمناوراتها لإصدار تلك التوصية. العلاقة مع البرلمان الأوربي اليوم تخضع لتقييم، والعلاقة مع فرنسا تمر بامتحان الصراحة الذي تخضع له فرنسا أساسا. على فرنسا أن تكون واضحة وصريحة وجدية وتتخلى عن ازدواجيتها ونفاقها.
    لم يعد التخويف بالبرلمان الأوربي مجديا لأن طريقة وتوقيت تحركه وانتقائية جداول أعماله صارت مفضوحة. ولم يعد التخويف بالإعلام الفرنسي ينفع بعد انكشاف حقيقة جزء كبير من هذا الإعلام الذي يخضع للتوجيه.
    في خضم الاحتجاجات الشعبية في فرنسا ضد مشروع التقاعد الذي تريد الحكومة تمريره وسط احتجاجات مليونية تفجرت فضيحة إعلامية تعكس حقيقة هذا الإعلام.
    عقد الرئيس ماكرون اجتماع غذاء سري في الإليزيه مع مسؤولي نشر أهم المنابر الإعلامية الفرنسية لتحديد الخطاب وطريقة تناول ملف التقاعد وتوجيه المعالجات الصحافية وجهة تؤثر في الرأي العام. تاريخ الاجتماع كان قبل يومين من الاحتجاجات التي انطلقت في 19 يناير. من المنابر الحاضرة في غذاء العمل هذا مسيرو لوموند ولوفيغارو وليزيكو ورؤساء تحرير قنواتBFMTV و France TVوممثلون عن إذاعة فرنسا الدولية وRTL.
    هل هذه هي حرية الإعلام التي يطالبون بها الآخرين؟ لماذا تصمت هذه المنابر عن هذا اللقاء السري؟ لماذا لم تخبر به متتبعيها؟ ألا تقتضي الأخلاق المهنية ذلك؟ أليست هذه من المعلومات العامة التي يلزم المواطن معرفتها؟
    يحدث هذا الضغط على الإعلام وتوجيه طريقة معالجته في قضية داخلية محضة، فما هو الحال إن تعلق الأمر بقضية خارجية ترتبط بالأمن القومي مثلا؟ هذه هي المنابر التي تمارس الأستاذية المهنية على الغير وهي تضربها بعرض الحائط إن تعارضت مع مصالحها. لماذا لم نسمع ل”مراسلون بلا حدود” صوت؟ كيف تحولت إلى “صامت بلا حدود”؟ لماذا يتجاهل البرلمان الأوربي مثل هذه الخروقات التي تصدر عن دول أعضاء بالاتحاد الأوربي؟
    لنتذكر فضيحة مماثلة منذ شهور حين ألغت قناة CNEWSحلقة حوارية مع الزعيم القبايلي فرحات مهني. هذه القناة المملوكة ل مجموعة “Bolloré”المقربة من ماكرون. هذه هي حقيقة حرية الإعلام لدى الدولة العميقة في فرنسا، ومثلها كذلك حقيقة الدفاع عن حقوق الإنسان. التحكم في وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية جزء من لعبة الأمم، والضغط بالأستاذية على الدول وسيلة من وسائل الإخضاع. وكم يشفق المرء على أمثال روزا موساوي وهي تتورط بدافع الحقد على المغرب لتحشر نفسها في قضية الصحفي المغربي رشيد مباركي المفصول ظلما من قناة BFMTV لأسباب واهية. القائمون على الخط التحريري للقناة اكتشفوا متأخرين أن عبارة الصحراء المغربية غير مهنية وبديلهم هو الصحراء الغربية وكأن هذا هو مقتضى المهنية. روزا حاقدة على المغرب ولا تخفي ميولاتها الانفصالية وتعاطفها مع جبهة البوليساريو ونظام الكابرانات، وعلى هذه القناة أن تعتذر لمشاهديها على هذا الحقد على المغرب ووحدته.
    انكشفت الحقيقة وزالت الأقنعة. لم يعد بمستطاع الفرنسيس ادعاء الأستاذية. لم تعد للجمهورية الفرنسية قيما إنسانية كما كان معروفا على الأقل منذ عقود. شارلي إيبدو الفرنسية تسخر من الأتراك بعد الزلزال الذي أصابهم برسم كاريكاتيري يفتقد لكل قيمة إنسانية وتعنونه ب”لا داعي لإرسال دبابات”. هل هذا ما تستحقه دولة تتعرض لكارثة إنسانية ذهب ضحيتها آلاف المواطنين؟ هل هذا ما يطلب من الصحافة؟ هل الموقف يستدعي هذه السخرية “الحامضة”؟ هل هذه هي قيم الجمهورية الفرنسية؟ هل حرية الإعلام تبيح هذه السلوكات؟ هل المؤسسات الرقابية على حرية الإعلام في فرنسا راضية عن هذه العبارات؟ ألا يستدعي هذا الخطأ خطابا من ماكرون يعتذر فيه للعالم قبل الشعب التركي كما خطب مدافعا عن شارلي إيبدو في السابق مدافعا عن حرية الإعلام؟ هل وصل التشفي بالأرواح البشرية إلى هذه الدرجة؟
    حين نرى هذا المآل الذي وصلت إليه فرنسا نترحم على زمن القادة الكبار ونتأسف على زمن ماكرون الذي يقود فرنسا نحو الهاوية في كل المجالات ويُخسرها مجالاتها الحيوية وأصدقاءها لإرضاء أنانيته وتفادي الاعتراف بفشله مستفيدا من حالة الفراغ التي يعيشها المشهد السياسي الفرنسي. ماكرون الذي يعترف بإصابته بحالة اكتئاب يقود بلاده نحو الفشل. ولعل من حسن الصدف أنه يكشف المستور ويعري الدولة العميقة التي ظلت مختبئة طيلة عقود متوارية عن الأنظار.
    نلتقي في بوح قادم لنميط اللثام أكثر عن حقيقة الكتيبة والمؤامرات التي تستهدف وحدة المغرب حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    رسميا: تعيينات جديدة بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري