بوح الأحد: الرهان على مدمني المخدرات الصلبة لتسخين الأجواء و تحريك الساحة

بوح الأحد: الرهان على مدمني المخدرات الصلبة لتسخين الأجواء و تحريك الساحة

A- A+
  • بوح الأحد: الرهان على مدمني المخدرات الصلبة لتسخين الأجواء و تحريك الساحة عوض معالجتهم من الإدمان و البوليساريو يراهن على السواطير في أڭادير لإغراق الجامعة في حمام دم، تركيا تراجع حساباتها و أشياء أخرى.

    أبو وائل الريفي

  • بدأت تسخينات الطوابرية والسمايرية مبكرا استعدادا لموسم صيف يريدونه ساخنا بما يرضي أسيادهم. لم تعد أجندة أركان هذا الطابور تحتاج إلى ذكاء خارق لكشف أهدافها وتوقيت تحركها وأساليبها. تبدأ الحملات الدعائية والمضللة والمليئة بالأكاذيب قبل نهاية أبريل وهو التاريخ الذي يتزامن سنويا مع صدور قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية وتستمر حتى أواخر غشت بغية التشويش على احتفالات المغاربة بعيد العرش وذكرى ثورة الملك والشعب. يصاب هؤلاء جميعا بهستيريا لا حدود لها حين يرون المغرب موحدا وقويا ومتلاحما ومستقرا وآمنا.
    لا يَشُكَّنَّ أحد في هذا الحكم لأنه لا مبالغة فيه ولأنه وصف موضوعي لواقع لا يرتفع مهما حاولنا تغليب حسن الظن ولا يمكن تجاهله ولو أحسنا النية في تحركات الطابور المكلف بالمغرب.
    قبل أسابيع، بدأت بعض الجامعات تشهد حركية غير عادية وغير مألوفة وممزوجة بعنف وعنف مضاد واستفزازات للإدارة والسلطات وأنشطة مطبوعةً بتحدي القانون. قلت حينها في هذا البوح أن ثمة أشياء تحاك في الخفاء وهناك من يهيء الأجواء لما هو أسوأ، وهو ما اتضح بداية هذا الأسبوع بأكادير حيث تم توقيف ثلاثة أشخاص، سائق سيارة أجرة وطالبان، للاشتباه في تورطهم في حيازة العشرات من الأسلحة البيضاء قدرت ب23 ساطور يريدون إدخالها للحي الجامعي، وسرعان ما اتضح أن المتورطين ينتمون لفصيل انفصالي داعم للبوليساريو، ويراد من هذا “الحشد المسلح” تأمين تخليد ذكرى تأسيس هذا الفصيل الإرهابي بإغراق الجامعة في حمام دم لإرضاء من لم يستطع مجاراة انتصارات المغرب سياسيا ودبلوماسيا فلم يعد أمامه من خيار غير جر الطلبة إلى دوامة العنف التي لا يعرف لها أول من آخر ويدفع فاتورتها للأسف طلبة أبرياء. والحمد لله أن حماة الجدار بالمرصاد لهذه المجموعات، وإدارةُ الجامعات تتقن تفويت الفرص على دعاة الفتنة الذين لا يميزون بين فضاء جامعي وساحة حرب وبين مكان للعلم ومجزرة. هل يعي من يتباكى على “الحرم الجامعي” خطورة استعمال هذه الأسلحة المصادرة على هذا الحرم؟ ولماذا يتغافل هؤلاء جميعا هذه الانزلاقات نحو العنف في فضاء مخصص أساسا للتحصيل الدراسي وليس لاستعراض العضلات وتصفية الحسابات بين قوى لا تتقن غير الإنزالات و”إشعال النيران”؟
    إن تزامن هذه المحاولة مع انطلاق اجتماعات مجلس الأمن حول قضية الصحراء بتسريبات عن رضى دي ميستورا عن الموقف الإسباني الأخير الداعم لخطة الحكم الذاتي غير بريء، وتزامن اللجوء إلى هذه الأساليب مع سلسلة الهزائم المتتالية لنظام تبون ودميته بن بطوش ميدانيا ودبلوماسيا مؤشر على توجه نظام العسكر والبوليساريو للعب ورقة الأرض المحروقة والمغامرة بشباب مختطف ذهنيا ومسلوب الإرادة.
    لقد بدأ العد العكسي مبكرا هذه السنة عند أعداء الوحدة الترابية للمغرب، واقتنعوا بأن الرهان على ملف حقوق الإنسان والقضايا الاجتماعية وثروات المنطقة لم يعد ينطلي على المنتظم الدولي بسبب اليقظة الدبلوماسية والدينامية التواصلية والدفوعات المقنعة والسمعة الطيبة للمغرب في العالم فلم يتبق أمامهم إلا خيار إشغال الداخل المغربي بأحداث العنف وتصويره كدولة عاجزة وفاشلة.
    التسخين الثاني أتى هذه المرة من المنابر والمنظمات إياها والتي صار استهدافها للمغرب أولوية أولوياتها. فجأة أصبح حكم ابتدائي ضد الأبلق حديث وكالة الأنباء الفرنسية ولوموند وهيومان رايت ووتش. والغريب أن هذه المنابر والمنظمات تصر على تجاهل الحقائق وتغييب وجهة النظر المغربية وتتعامل بانتقائية مع هذا الحكم وتتجاهل التمييز بين السب والقذف وبين الانتقاد وتقدم هذا الأبلق بصفة واحدة متجاهلة حقائق أخرى يفيد استحضارها في فهم سلوكه العدواني والاستفزازي واليائس والانتحاري. لماذا هذا الحرص على تقديم ربيع الأبلق حصريا بصفته “ناشط” في حراك الريف؟ ولماذا يتم تجاهل الإفراج عنه قبل ذلك بعفو ملكي؟ لماذا تم الإفراج عنه إذن لو كانت آراؤه وانتقاداته تشكل خطرا؟
    ربيع الأبلق شاب ضيع حياته وأحرق كل أمل له في حياة طبيعية بسبب “البلية” التي حولته إلى إنسان فاشل في كل شيء، وجعلته فعلا “ناشطا” ولكن بمعنى مختلف عن النشاط السياسي بعد إدمانه على المخدرات الصلبة. استفاد هذا الشاب اليائس من مبلغ محترم من المال العام من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لإقامة مشروع تجاري فأنفق كل شيء ليرضي حاسة الشم عنده التي أدمنت على المخدرات الصلبة فلم تعد ترتاح إلا بشم “البيضا”. ولماذا هذا التحامل على القضاء المغربي الذي يتابعه في حالة سراح رغم أن بإمكانه متابعته في حالة اعتقال لو كان يريد الانتقام منه؟ ربيع الذي لم يعد يحمل من اسمه شيئا حول حياته إلى خريف رغم أنه ما زال شابا وبإمكانه العمل والعطاء ولكنه ألف الابتزاز والحصول على الأموال ب “الساهل”. الأبلق الذي يسير على خطى من يظن أن استهداف الملك بالسب والقذف طريقة جيدة لابتزاز السلطات لم يعتبر بمن سبقه ولم ينظر إلى مصيرهم ليفهم أن سياسة الابتزاز لم تعد تجدي نفعا، وتهديداته بأن يكون بوعزيزي المغرب لا تخصه إلا وحده والرأي العام يعرف مصير كل مدمن على “الغبرة” ولن يستغرب من أي حماقة يرتكبها “الأبلق الأبله” في جسده الذي هو وحده المسؤول عنه في الدنيا والآخرة لأنه أمانة ائتمنه الله وحده عليها وهو سبحانه الذي طلب برد الأمانات إلى أهلها.
    طالبت هيومان رايت بشكل يدعو للسخرية بإلغاء المتابعة وإسقاط التهم نهائيا بمبرر أن “ليس هناك حق أكثر جوهرية من حق انتقاد من يتولى السلطة، ولو كان ملكا. على المغرب أن يكف عن ملاحقة المنتقدين مثل ربيع الأبلق بناء على قوانين تقدس فعليا شخص الملك”. وهذا الدفع وحده يبين أن هذه المنظمة تشتغل بمنطق سياسي تدليسي قديم لأنها تتحدث وهي تجهل دستور البلاد وقوانينها. هل هناك نص قانوني في المغرب يتحدث عن قدسية الملك؟
    بالرجوع إلى دستور البلاد هناك تنصيص في الفصل 46 على أن “شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام”. فهل هناك ما يشير إلى القداسة في هذا النص؟ وهل تختلف هذه العبارات عن المتداول في الكثير من الدساتير المقارنة لدول ديمقراطية لا تجرؤ هذه المنظمة على الإشارة بالنقد إلى سياساتها؟
    وبالرجوع إلى القانون الجنائي، نجد الفصل 179 يتحدث عن السب والقذف والإخلال بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك وليس النقد ولا أظن مسؤولي هيومان رايت يغيب عنهم التمييز بينهما!! لماذا إذن هذا التدليس؟
    لوموند ووكالة الأنباء الفرنسية كالعادة تتضامن وتتطرق بتلبيس للموضوع لتقطر سمها كذلك على المغرب في ذبح فاضح للمهنية وأخلاقيات الصحافة، وبياناتُ تضامن مجموعات “فري كلشي” مصاغة قبل صدور الحكم بنفس الأسلوب والنبرة والكلمات. هل يعقل أن تطالب منظمة تحترم نفسها ومجال تخصصها بإلغاء متابعة قضائية وفق نصوص قانونية واضحة؟ وهل يقبل منطقا أن تتجاهل الجهات المتضامنة مع الأبلق وضعه كمدمن ومفلس ودوره في مآله كشخص غير متوازن؟ وهل كان الرأي العام على علم مسبق أن هذا الذي يدعي أنه معارض جذري استفاد من المال العام لإنجاح مشروع تجاري فإذا به ينفقه على أنفه الذي يزن ذهبا؟
    قصة الأبلق قريبة من قصة أميناتو وغيرها الذين استفادوا من تعويضات هيأة الإنصاف والمصالحة باعتبارهم مغاربة ويرفضون الاعتراف بمغربيتهم في الوثائق الإدارية ويرفضون مساواتهم مع غيرهم من المغاربة، والأبلق للأسف لا يصرح بالحقائق وفقد رشده بسبب بليته وظن أن سابقة اعتقاله واستهداف الملك يمكن أن يمنحاه شرعية وقوة لحصد مزيد من العطاء. الأبلق الأبله صار عالة على نفسه قبل غيره، واستمرار تبني سقطاته خطأ يرتكبه أصحاب “فري كلشي” لأنهم يتبنون ملفا خاسرا لشخص منهزم قابل للانقلاب على كل شيء. وعلى هذا الشاب الاتعاظ بمن سبقه لأن تدوينات أو فيديوهات على مواقع التواصل في عالم افتراضي لن تصنع واقعا على الأرض وريافة صاروا على دراية بحقيقته وحماقاته وليس بمقدورهم مجاراته فيها.
    لا أود إعطاء هذا الشاب الضائع أكثر مما يستحق سوى الدعاء له بالعفو من عند الله ليسترجع عقله وإرادته وصحته الجسدية وتوازنه النفسي لأن الأهم في كل هذه القصة هو تلك الجهات التي تتصيد مثل هذه الوقائع وتتصورها أوراق ضغط على المغرب. استفيقوا من سباتكم. إنه المغرب الذي لا يخضع لأحد، ولن يقبل الابتزاز، وضرر الاستمرار في هذا الاستهداف لن يتأثر به المغرب الذي يتقوى يوما بعد آخر بينما تطال الفضيحة هذه المنابر والمنظمات التي تنكشف أجنداتها المعادية للمغرب. ومرة أخرى أهمس في أذن الطوابرية والسمايرية ناصحا أن يختاروا بعناية قضاياهم عوض الرهان على “النطيحة والمتردية وما عاف السبع”. إن تسابقهم وتبنيهم لهذه القضايا دليل على أنهم لم يجدوا غيرها من القضايا “اللي شادة في الصح”، وهذه تحسب لهذا المغرب الذي خطا خطوات نحو الديمقراطية لا ينكرها إلا جاحد، وسيعانون كثيرا في مواجهة المغرب، والبشرى لهم بمزيد من الانتكاسات لأنهم صاروا محامين للقضايا الخاسرة والبائرة، ولأنهم يراهنون على أشباه مناضلين غير أسوياء وفاقدين للمصداقية وعاجزين عن إقناع المغاربة بما يطالبون به لأنهم في حالة تناقض دائم مع ما يدعونه من مبادئ. يكفي فقط نشر الحقائق كاملة لينفض الجمع من حولهم كما يحدث في السنوات الأخيرة مع زيان وفؤاد والمعيطي وبوعشرين وسليمان و عمر.
    كيف يتعاطف المغاربة مع هؤلاء وهم يسمعون فضائحهم؟ وكيف يثقون بهؤلاء وهم يرون الحقائق حول دوافع معارضتهم التي لا تهم المغاربة بقدر ما تهم تأمين امتيازاتهم وإدامة العطاء الذي ألفوه سابقا؟ وكيف يحظى هؤلاء الطوابرية بالمصداقية والمغاربة يتابعون ركوبهم على كل حدث لترديد أسطوانة الحريات والحقوق في المغرب؟ وكيف يثق المغاربة في هذه المنابر والمنظمات وهم يرون تبنيها لهذا الطابور الذي فاحت رائحة فساده في البلاد؟
    ولأن زمن ما بعد كورونا ليس كزمن ما قبلها فإن الأصنام تتهاوى تباعا وبسرعة ملفتة للنظر. وها هو صنم آخر يسقط بشكل أسرع من المتوقع. إنه زعيم “العثمانية الجديدة” أردوغان صاحب حلم “رؤية تركيا 2023” التي تمنى، وألقى الشيطان في أمنيته، أن يصبح في هذه السنة اقتصاد تركيا ضمن أقوى عشر اقتصادات في العالم. واختيار هذا التاريخ لم يكن مصادفة بل كان مدروسا يريد به “الزعيم”، كما يتصوره بعض السذج ودراويش السياسة، دخول التاريخ كما دخله أتاتورك المؤسس لتركيا الحديثة، وخاصة أن 2023 تتزامن مع الذكرى المائوية لتركيا الحديثة.
    لم تعد تفصلنا إلا أقل من سنة على حلول هذا التاريخ، وتركيا الأردوغانية غارقة في مشاكل التضخم المالي حيث الليرة التركية في مستويات متدنية غير مسبوقة، والسياحة في أسوأ سنواتها بعد تداعيات كورونا، وغارقة في الكساد الاقتصادي وخاصة بعد الارتفاع الجنوني لأسعار الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وغارقة في الأزمات السياسية بعد فشل استراتيجية “تصفير المشاكل” حيث أنهكت أطماعُ أردوغان الدولةَ التركيةَ في أوهام التوسع الذي استنزف الكثير من إمكانياتها في غير طائل، وأحلامِ بسط النفوذ والريادة الإقليمية والرغبة في دخول نادي الكبار، وفي عداءات مجانية وتنافس فارغ مع دول عربية ذات ريادة في المنطقة وتمتلك لهذه الريادة كل وسائلها.
    تستفيق اليوم تركيا الأردوغانية على أن قوتها كانت توهما فقط لأنها غير مبنية على أساس صلب، وأن الطائر بدون أجنحة مصيره السقوط مهما طال الزمن، والمزايدات بدون امتلاك عناصر قوة لا يزيد المزايِدَ إلا ضعفا وخضوعا.
    لم يستوعب أردوغان أن مصلحة تركيا مع العرب إن تخلى عن أحلامه غير الواقعية. وتناسى أردوغان أن الاقتصار على اقتصاد خدماتي غير كاف إن لم تتوفر له أسواق توزيع خارجية وجهات تمويل دائمة، ولذلك لم يجد ملجأ بعد الأزمة المالية والاقتصادية غير الدول العربية مثل الإمارات التي استقبل في نونبر الماضي ولي عهدها محمد بن زايد آل نهيان الذي تعهد بمساعدة تركيا باستثمارات ضخمة، وهو ما تطلب منه زيارة الإمارات في فبراير الماضي انتهت بتوقيع 13 اتفاقية وبيانا بشأن شراكة اقتصادية شاملة. وفي هذا السياق كذلك يمكن إدراج المصالحة مع مصر والتخلي عن تبني التنظيمات الإخوانية ووضع حد للعديد من البرامج التحريضية ضد الدول العربية.
    ولأن الأزمة الاقتصادية والمالية في تركيا متفاقمة فقد كانت الحاجة إلى أموال ومساعدات إضافية تستلزم تنازلات أكثر وفتح صفحة جديدة مع السعودية بعد قطيعة استمرت لسنوات كان فيها أردوغان مغرقا في الشعبوية والمزايدة بملف خاشقجي الذي طواه بجرة قلم بعد إحالة قضيته من طرف النيابة العامة التركية إلى السعودية قبل هذه الزيارة بأشهر كإشارة إلى التحول الجديد الذي رسَّمته الزيارة الرسمية إلى السعودية وسط هذا الأسبوع. وهكذا يتضح أن الرهان على معاداة هذه الدول والاقتصار على الدعم القطري وحده كان خاطئا، وأن ثقل النظام العربي المعتدل لم يتغير، وأن مكانة السعودية فيه لم تتأثر.
    الأساس الثاني الذي بنت عليه تركيا الأردوغانية قوتها، بعد النجاح الاقتصادي، هو الخطاب والسلوك الشعبوي لاستدرار عطف الشارع العربي. ونتذكر جميعا تلك الحركات الأردوغانية البهلوانية في منتدى دافوس سنة 2009 بحضور بيريز وعمرو موسى حين انسحب من المنتدى ليتضح بعد سنوات أن سبب الانسحاب لم يكن الاحتجاج ضد إسرائيل ولكنه كان الاحتجاج على مسير الجلسة الذي رفض منحه امتيازا على غيره في الوقت حين طالب بدقيقة إضافية. أما تداعيات الانسحاب الحقيقية فقد كشفها كبير مستشاريه حينها ووزير خارجيته لاحقا داوود أوغلو بعدما تفرقت بهما السبل الحزبية. لقد صرح أوغلو بالحقيقة قائلا بأن “أردوغان لم يقل الحقيقة، وكلانا يعرف ما جرى تلك الليلة، في دافوس بعد اختفاء الأضواء، هو يعلم أنني قمت شخصيا بدبلوماسية الباب الخلفي للاعتذار لشيمون بيريز بصفتي كبير مستشاري أردوغان وقتها، وهذا الاعتذار تم من هاتفي الشخصي.. عند عودتنا إلى إسطنبول من دافوس، أنا من كتبت الخطاب الذي وجهه أردوغان للشعب التركي، ولو كنت قلت الحقيقة بأننا احترقنا في دافوس لكنت انتهيت، وما كان عينني وزيرا للخارجية بعد هذا الحادث بشهرين.. بعد هذا الاعتذار عادت العلاقات طبيعية مرة أخرى بين إسرائيل وتركيا”. هل يُكذب السذجُ الأردوغانيون داوود أوغلو؟ وهل أنكر أردوغان هذه الحقيقة بعد كشفها؟
    لم يعد أمام أردوغان فرصا كثيرة للمناورة بهذا الخطاب الشعبوي وقد حوصر بالحقائق والضغوط مما جعله يجنح للواقعية السياسية ويصرح بنقيض ما كان يتبناه ويكشف عن براغماتية مقيتة. تخلى أردوغان عن التنظيمات الإخوانية، وغازل النظام المصري الذي كان يصفه بالانقلابي وتمنى مجالسته دون أن يحصل له هذا المراد، وتخلى عن قضية خاشقجي بعد أن كان صارما بخصوصها وورط معه قطر والجزيرة في تبنيها، والتقى أمراءَ السعودية والإمارات بعد طول قطيعة، واستقبل الرئيس الإسرائيلي بمظاهر استعراضية وبروتوكولية لا يحظى بها إلا رؤساء الدول الكبيرة والصديقة، وأدان العمليات التي تنفذها الفصائل الفلسطينية في إسرائيل وتمنى الشفاء لجرحاها، واستسلم للضغط الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية ليكشف حقيقة شعاراته التي ظل لسنوات يخدر بها حس دراويش السياسة.
    هل دافِعُ أردوغان في هذا التحول هو مصلحة الدولة التركية؟ المعطيات الموضوعية تؤكد أن هاجس “الحالِم بالعثمانية الجديدة” ليس مصلحة تركيا ولكنه رغبة في تأمين فرص فوزه بولاية رئاسية جديدة سنة 2023 لأنه لا يريد إنهاء مساره السياسي بخسارة تمحو كل تاريخه الذي كان يريد من خلاله وضع اسمه إلى جانب الأب المؤسس أتاتورك.
    هل تركيا صادقة في فتح صفحة جديدة مع الدول العربية؟ الجواب سابق لأوانه، وما سيؤكده هو أفعال تركيا مستقبلا وليس تصريحات ساستها. ونتمنى صادقين أن يتعظ أردوغان من التجربة السابقة ويعي أن الرهان على الربيع العربي كان سوء تقدير وضربا من ضروب التنجيم وليس الاستشراف المبني على معطيات دقيقة، كما نتمنى أن يكون هذا التقارب اختيارا استراتيجيا وليس اضطرارا تكتيكيا أملته الإحباطات التركية من الرهان على الإدارة الأمريكية وتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية في الداخل التركي.
    لا يصح إلا الصحيح، وحبل الكذب قصير، ومنطق المزايدات والشعبوية آيل إلى الزوال. هذه هي العبرة من التجربة الأردوغانية التي ألهمت جماعات الإسلام السياسي وشكلت حاضنتها ونموذجها المثالي فكانت نهايتها أسوأ من أردوغان نفسه، وأغرقت بلدانها بحروب جانبية ضيعت عليها زمنا ستؤدي ثمنه من مستقبلها في عالم سريع التحولات.
    والحمد لله أن المغرب انتبه مبكرا وبشكل استباقي لهذه النماذج فلم يضخمها ولم ينبهر بها ولم يعطها أكثر من حجمها ومما تستحقه ولم يعاديها، بل ترك الحكم عليها للاختيار الشعبي الذي كشف محدودية قدراتها.
    بوح هذا الأسبوع هو آخر بوح رمضاني ونلتقي في بوح قادم بعد شهر كريم اكتشفنا فيه معاني التضامن والتراحم والتكافل. وإلى حين اللقاء متمنياتي بعيد فطر سعيد لكم ولكن جميعا.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي