بوح الأحد: العلاقات مع الجزائر مفتوحة على كل الاحتمالات بعد وصول التدبير ..

بوح الأحد: العلاقات مع الجزائر مفتوحة على كل الاحتمالات بعد وصول التدبير ..

A- A+
  • بوح الأحد: العلاقات مع الجزائر مفتوحة على كل الاحتمالات بعد وصول التدبير الجزائري إلى درجة الحمق والعبث، موسم الهجرة من وإلى كابل بعد ٱستقالة أمريكا الديموقراطية من دورها في العالم وخطاب الحسم يسفه كل رهانات “غلمان بيڭاسوس” الداخلية.
    أبو وائل الريفي
    بلغ الحمق بنظام العسكر في الجزائر مداه وفاق كل ما يمكن أن يتخيله عقل أو يقبله منطق. لم تخمد الحرائق بعد بسبب ضعف الإمكانيات التي تتوفر عليها السلطات نتيجة سوء التدبير وفشل السياسة الاحتياطية للنظام لمواجهة الكوارث ورفض المساعدة من دولة صديقة حتى اجتمع مجلس أمن تبون وشنقريحة ليعلن نتائج التحقيق حول المتسبب في هذه الحرائق ويحدد المتورط فيها ويشرع على وجه السرعة في تنفيذ الحكم. وحتى يصدق الشعب المسرحية كان لا بد من تضخيم الموضوع لإقناع الجزائريين بضخامة المؤامرة لأنهم لن يصدقوا أن وراءها تنظيمات صغيرة مثل “الماك” و”رشاد”. ولذلك فالأسهل هو “المؤامرة الأجنبية” التي تقف وراءها دولة أخرى ولن يجد عسكر الجزائر سوى المغرب لتصفية حسابهم معه ولضرب أكثر من عصفور بحجر واحد ولسد الباب على اليد الممدودة للشعب والتي تحرج النظام أمام شعبه وأمام المنتظم الدولي.
    أعلن مجلس أمن شنقريحة بأن “الماك” المسؤولة عن الحرائق “تتلقى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية وخاصة المغرب والكيان الصهيوني” وبذلك “تطلبت الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضد الجزائر إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية”. هل من دليل مادي على هذه الادعاءات؟ هل لا يستحق الشعب الجزائري والرأي العام المغاربي والدولي الاطلاع على هذه الأدلة؟ كل هذا لا يهم لأن قرارا سريا سابقا اتخذ على أعلى مستوى قبل الحرائق وكان فقط الانتظار لتحين فرصة الإعلان وقد جاءت الحرائق هدية من السماء لتبون وجنرالاته لإعلان شبه قطيعة من جانب واحد.
    الآن، يمكن فهم خلفيات التصريحات العدائية لوزارة لعمامرة باتهام المغرب بتنفيذ “أجندة حليفه الجديد الذي يقوم بمؤامرة خطيرة ضد الجزائر ومواقفها الثابتة” وبأن “المغرب يحاول تشويه قضية الصحراء بالاستعانة بحليفه الشرق أوسطي الجديد”، وطبعا هي تصريحات وزير فاشل قاد معركة خاسرة في الاتحاد الإفريقي ضد إسرائيل بعد قبولها عضوا مراقبا داخل الاتحاد، وتهديده بأن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تقسيم الاتحاد الإفريقي، ولم تلق صيحاته صدى فكان المغرب هو المشجب الذي يعلق عليه فشله والمناسبة هي زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للمغرب للتشويش على الزيارة والزائر والمزور.
    الآن، اتضح أن تدوينات صبي الجنرال توفيق المعلق دراجي كانت خدمة تحت الطلب كالعادة ضد المغرب للنيل منه، ولكن رد زملائه في بين سبور كان كافيا، وكم نتمنى أن يتعلم من أسلوب ردهم الراقي الأدب والصواب وإن كنت أشك أن من تعلم الصحافة من قاموس الجنرال توفيق يمكنه أن يكون مؤدبا. ولو كان صادقا في حبه للجزائر لأصر على تدويناته ولو هدد بالفصل من وظيفته في بين سبور التي يجني منها ما يعيش به وهو أدرى بأن الجنرالات لا يؤمن جانبهم.
    قرار نظام العسكر كان جاهزا منذ مدة وكانت تعوزه أدلة حقيقية عجزت مخابرات العسكر عن إيجادها فكان الحل هو هذا الإخراج الرديء الذي لن ينطلي على الجزائريين وعلى العالم الذي يتابع هذا الارتباك الجزائري في التجاوب مع مبادرة اليد الممدودة من المغرب.
    أختم بسؤال واحد و”الفاهم يفهم”. لماذا لم تحدد السلطات والتحقيقات بعد هوية قاتل الشاب جمال اسماعيل؟ ألا تستحق تلك الجريمة البشعة تطمينا للجزائريين على وجه السرعة؟ هل الأمر مستعص إلى هذه الدرجة؟ لماذا لم يقدم للمحكمة بعد المشتبه فيهم؟ وهل تحديد الجهات الداخلية والخارجية التي تقف وراء الحرائق أسهل من تحديد هوية قاتل بتلك الطريقة البشعة؟
    نحن الآن بصدد حالة ردة حقيقية في الجزائر بعد “سبع أيام ديال الباكور” التي هادن فيها الجنرالات شباب الحراك، وها هي نتائج الاستعانة بالحرس القديم وعودته للواجهة تتمر علقمها، وليس تمارها، الذي لن يكون إلا سما ستتجرعه المنطقة كلها إن لم تجد من يصد نظام الجنرالات عن حربهم المعلنة من طرف واحد ضد المغرب الحريص، حتى الآن، على التعامل بحكمة مع هذه الانفعالات والتصرفات غير الموزونة والمفتقدة لأي دليل.
    على جنرالات الجزائر الاعتراف بفشلهم أمام الشعب بعد كارثة الحرائق، وعليهم تقديم الحساب أمام شعبهم الذي كانت له انتظارات كبيرة من الحراك الذي استغله تبون بشعاراته الانتخابية التي كانت كسراب بقيعة حسبه البعض ماء فاتضح أنه سراب ووهم وخداع. وعليهم الوضوح مع شعبهم بخصوص تمويلهم لجبهة البوليساريو بأموال الجزائريين الذين هم أحق بها لتأمين خدمات أساسية صاروا في حاجة إليها بعد جائحة كوفيد وما كشفته من عجز النظام الصحي في البلاد عن توفير الأوكسجين والأدوية. أما إلصاق العجز والفشل بالمغرب ولوك مصطلح المخزن بما لا يتناسب مع دلالاته فهو مجرد هروب فقط. لقد كان عيد العرش مناسبة لهؤلاء الجنرالات المفتقدين لهوية وتاريخ لفهم تاريخ الملكية في المغرب وعمق الارتباط الشعبي بها. وكانت مناسبة “ثورة الملك والشعب” مناسبة أخرى لفهم طبيعة “الملكية المواطنة” التي ظلت وفية لطابعها الوطني الذي يجعلها في مقدمة كل حدث وطارئ. هذا العمق المواطن هو الذي يفتقده جنرالات الجزائر للأسف ويجعلهم في واد والشعب في واد آخر.
    نترك جنرالات الجزائر متمنين أن يعودوا سريعا إلى رشدهم لنحلل الحدث الأهم. هو حدث أشبه بالزلزال ذلك الذي عاشه العالم نهاية الأسبوع الفارط، والأكيد أن تداعياته لن تقتصر على أفغانستان ولن تبقى محدودة في المنطقة المجاورة فقط. إنه حدث سيبصم العالم خلال المرحلة القادمة، وسيكون بمثابة المؤشر الكبير الذي يحسم الكثير من الاحتمالات والتأرجح الذي ظل يطبع استنتاجات العديد من المحللين حول طبيعة توجهات وسياسات الإدارة الأمريكية.
    كنت عبرت في بوح قديم، أظنه صيف السنة الماضية، عن اقتناع راسخ لدي حول إدارة بايدن قلت فيه بأن ولاية بايدن ستكون بمثابة ولاية ثالثة لأوباما لأنه لن يخرج من مقاربة الديمقراطيين التي يمكن القول أنها وصلت لصيغتها النهائية مع أوباما ولم يطلها التجديد بعد.
    لا يمكن للمتابع لأداء قوى التحاف الدولي في أفغانستان إلا الوقوف على مجالات كثيرة للفشل، وأهمها طبعا العجز عن بناء دولة وتكوين جيش وطني وبناء مؤسسات قوية رغم المجهود المبذول في التدريب، ورغم حجم الإنفاق الذي فاق تريليون دولار، ورغم المواكبة، ورغم طول المدة التي استغرقت عقدين من الزمن. للأسف، لم يتمكن الوجود الأجنبي هناك من إقناع شرائح واسعة من الأفغان بجدواه وفوائده عليهم وعلى الدولة وعلى المحيط الإقليمي هناك. ومن أهم أسباب ذلك عدم إشراك من يتقن التواصل مع هذا الشعب بما يفهم.
    لذلك كان متفهما جدا موقف الانسحاب من هناك، وقد باشرته دول غربية منذ سنين، وهذه نقطة أخرى يتحمل الناتو ودوله المسؤولية لأن الكثير منها لجأ للحلول الفردية رغم أن الوجود هناك كان جماعيا والمسؤولية تقتضي أن يكون الرحيل جماعيا كذلك بناء على تقييم جماعي يشارك فيه كل المعنيين بالشأن الأفغاني عالميا.
    ولذلك باشرت إدارة ترامب خطوات الانسحاب منذ 2019 من خلال مفاوضات كانت الدوحة مقرها ووكيلها وضامنها كالعادة. هل يمكن لوم الأمريكان على هذا القرار؟
    طبعا لا، ولكن يمكن مساءلة اختيار التوقيت ومدى توفر ضمانات ما بعد الانسحاب وأهمها ضمان عدم العودة لما كانت عليه أفغانستان قبل حكم طالبان.
    للأسف سارت المفاوضات في اتجاه سلبي وحكمها هاجس انتخابي أمريكي ورغبة متسرعة في إنهاء الوجود الأمريكي في أفغانستان وطبعها تقدم طالبان في الميدان للسيطرة على المنطقة تلو الأخرى أمام أنظار الجميع وهم يتفرجون.
    هل كان من الضرورة الخضوع لتقديرات السلطة الأفغانية الحاكمة وهي الغارقة في الفساد والمفتقدة للحس الوطني وإرادة الدفاع عن وطن يقع تحت سلطة طالبان؟ وهل غابت تقديرات الأجهزة الغربية هناك أم أنها كذلك أخطأت التقدير؟ وهل كان يلزم الاستعجال بالانسحاب إلى هذه الدرجة، والحقائق الميدانية كانت واضحة وتنبئ بالخطر؟
    مشهد سقوط كابل في أيدي طالبان بدون مقاومة وبسرعة غير متوقعة وهروب الرئيس واستسلام القوات هناك كاف للقول بأن كل التقديرات كانت خاطئة بما فيها وقت الانسحاب وطريقته والصورة التي سيتركها لدى الرأي العام الأفغاني والدولي.
    مشهد يترك الانطباع على أن عقدين من الفشل هي نتيجة الوجود الأمريكي والغربي في أفغانستان، وأن القوات الأمريكية انهزمت سياسيا وعسكريا وقيميا، وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي بايدن يخفض من أهداف التدخل الأمريكي في خطابه الصريح والواضح حين قال بأن مهمة أمريكا لم تكن أبدا بناء دولة أو بناء ديمقراطية ولكن المهمة كانت هي منع أي هجوم إرهابي على أمريكا. فهل هناك بعد الانسحاب الآن ضمانات؟ وهل قامت طالبان فعلا بمراجعات تقوي هذه الضمانات؟
    الصيغة الحاسمة والقطعية لخطاب الرئيس الأمريكي تبين أن توقيت وطريقة الانسحاب ليست مفاجئة، بل مدروسة وفق تقييم يراعي مصلحة أمريكا على المدى القريب أساسا، ولم يأخذ بعين الاعتبار مواقف شركائها بل كان همه الأكبر منافسيها الصين وروسيا، ويستحضر أكثر كلفة الوجود الأمريكي سياسيا وماليا، ويهدف إلى تقليص هذه الكلفة.
    وبالمقابل، يترك ذلك المشهد انطباعا مناقضا حول طالبان التي بدت بمظهر المنتصر بسلمية وقبول شعبي صار يسوقه اليوم كثيرون كدليل على احتضان الشعب الأفغاني لطالبان ورضاه بحكمها.
    أفغانستان اليوم مفتوحة على المجهول ومستقبلها غامض ومصيرها تحت رحمة طالبان التي أتقنت لحد الساعة اللعب على الملف الطائفي، باستثناء الأوزبك وزعيمها دوستم التي عجزت عن احتوائه فكان الحل هو قتاله، بدمج عبد الله عبد الله، رئيس لجنة المصالحة، الذي يجمع بين الانتماء للبشتون من جهة الأب وللطاجيك/الفرس من جهة الأم وانتماؤه للطاجيك يمكن أن يضعف جبهة مقاومة يقودها من بانشير، معقل الطاجيك، نجل أحمد شاه مسعود ، كما تتجلى قوة طالبان في دمج حامد كرزاي، الرئيس الأسبق وأحد وجهاء البشتون، وهو الذي قاد صفقة الإفراج عن قياديين من طالبان والموافقة على ترحيلهم إلى قطر في مارس من عام 2012 وحينها كان التخطيط للانسحاب نهاية عام 2014. وكان لا بد من تدابير جس النبض وحسن النية من جهة أمريكا تجاه طالبان، وكان كرزاي ميسرا لهذه العملية بعدم الاعتراض وتقديره الإيجابي باعتبار هذه الخطوة تعزز الاستقرار والسلام في البلاد، بل كلف كبير مساعديه حينها ابراهيم سبين زادة بزيارة كوانتانامو وقيادة المفاوضات مع المعتقلين الخمسة من طالبان المعنيين بالصفقة. وها هي طالبان تكافئه اليوم. وللتذكير فهذه الخطوات تمت عام 2012 في عهد الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن.
    ها نحن نقترب من حقيقة ما حدث في هذا الملف. لماذا اشتراط الترحيل إلى قطر؟ ولماذا وافق قادة طالبان على هذا الترحيل؟ ولماذا وافقت الرئاسة الأفغانية على هذا الترحيل؟
    لم يكن غريبا إذن أن تحتضن قطر قادة طالبان وتفتح مكتبا سياسيا رسميا للحركة بالدوحة في يونيو من عام 2013 بموافقة أمريكية وأفغانية لأن ذلك يسهل نجاح مفاوضات السلام في البلاد.
    شكلت قطر كعادتها صلة الوصل بين طالبان وأمريكا مقدمة كل الضمانات بقدرتها على تطويع طالبان وتنقيح نسختها الأصلية الدموية والمتطرفة. وقدمت بالمقابل طالبان خدمة كبيرة في الميدان من خلال تخفيفها الهجمات ضد القوات الأمريكية، وتيسيرها الانسحاب الآمن للقوات الأجنبية من البلاد. وساهم في تسريع هذا التقارب فشل كل الحكومات الأفغانية المتعاقبة في تدبير شؤون البلاد والتخفيف من الاستعانة بالقوات والمساعدات الأجنبية. وهذه مناسبة للتذكير بمقتطف من كلمة بومبيو يذكر فيها قادة طالبان بالتزامهم بمناسبة اتفاق الدوحة بين أمريكا وطالبان في فبراير  2020 “التزموا بوعودكم حيال قطع العلاقات مع القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وواصلوا محاربة تنظيم الدولة الإسلامية حتى الانتصار عليه”.
    استغرق الأمر أزيد من ست سنوات كان فيها العمل متواصلا ليل نهار بالاستعانة بخدمات كل الطيف الإخواني في قطر وأفغانستان وحتى خارجهما. وهذا هو سر إدماج قلب الدين حكمتيار في المعادلة الجديدة، وهو ثالث ثلاثة تم انتقاؤهم بعناية لتشكيل لجنة للإشراف على انتقال السلطة ومنع الفوضى بعد سقوط كابل. ولمن لا يعرف حكمتيار فهو كذلك من البشتون وزعيم الحزب الإسلامي الأفغاني الذي يستمد مرجعيته من جماعة الإخوان المسلمين وأبي الأعلى المودودي.
    ولذلك لا نستغرب هذا الفرح الكبير الذي عم كل التنظيمات الإسلامية الإخوانية في العالم بهذا “النصر الكبير” حيث اشترك في الموقف المبارك حماس فلسطين وحمس الجزائر والعدل والإحسان والريسوني والاتحاد العالمي لعلماء الإخوان، وليس المسلمين، وهؤلاء جميعا يرون في طالبان، رغم ما يظهر من اختلاف، عمقا استراتيجيا داعما لفكرهم، ويتمنون نجاح هذه الصفقة لتعيد لهم الاعتبار أمام الأمريكان للمراهنة عليهم في “ربيع عربي” قادم يتنظرونه على أحر من جمر. كل هؤلاء يرون مصلحتهم استراتيجيا في نجاح طالبان ليس لذاتها ولكن لإعادة ما تحقق في عهد أوباما لأنهم ألفوا ربما هذا النوع من الصفقات مع الإدارات الأمريكية الديمقراطية. ولأنهم فشلوا في تدبير الدول التي نجحوا فيها بالصندوق ويعولون دائما على استمرار الدعم الأمريكي لهم ضد كل انتفاضة شعبية عليهم.
    لم يكن مفاجئا أن يتحدث أحمد الريسوني، المغربي الجنسية والقطري/ الإخواني الهوى، مباشرة بعد سقوط كابل ليعبر بأنه مستبشر ومتفائل وبأن اتحاد علماء الإخوان مستعد لاستقبال علماء أفغان والذهاب إليهم ويذكر بأن اجتماعات مجلس أمناء هذا الاتحاد متواصلة في اسطنبول. ولم يكن مفاجئا استقبال القرضاوي في قطر لقادة طالبان وهو ما كانت ترفضه طالبان في نسختها القديمة قبل التحوير.
    أصبح اتحاد القرضاوي، الذي ارتضى الريسوني لنفسه أن يكون رئيس واجهة له، هو الذراع الديني لطالبان، كما أصبحت قواعد الإخوان في العالم حاضنة لطالبان ومروجة لانتصارها، وأصبحت قناة الجزيرة الذراع الإعلامي التي تسوق لطالبان الجديدة لمحو صور الهمجية والهدم واستهداف النساء والشباب والتنكيل بالحريات. وفي قاعة الانتظار طبعا تركيا التي تنتظر حصتها من مشاريع إعادة إعمار أفغانستان وفرصة الاستقواء بوجود طالبان في منطقة تتميز بالوجود القوي للصين وروسيا. هكذا ستنتقل أفغانستان من وجود أجنبي مباشر إلى غير مباشر، وستبقى الأرض التي يخوض فيها الكبار معاركهم.
    يمكن تفهم الحماس الإخواني لطالبان فهم يسوقونه لقواعدهم كانتصار لأنهم يبحثون عن التعلق بأمل، ولو مؤقتا، بعد سلسلة الهزائم التي حصدها الإخوان في كل تجارب حكمهم، ولكن الغريب أن ينضم لهذه الجوقة من المطلبين سلفيون كذلك متناسين أن تشدد طالبان لا علاقة له بالمذهب السلفي فهم يتبعون المذهب الحنفي فقهيا والماتريدية عقيدة وهم صوفية نقشبنديون. وسلوك طالبان يتداخل فيه العرقي بالديني بالاجتماعي بالتقاليد. فكيف لمن يدعي من المغاربة أنه سلفي أن يسقط في هذا الخلط؟
    هكذا صار استقرار العالم لعبة تريد بها دول صغيرة التموقع عند أمريكا متناسية أنها تلعب بالنار؟ طالبان لم تقدم اعتذارا حقيقيا عما قامت به من مجازر، ولم تقدم خارطة طريق واضحة بضمانات حقيقية تجعل أفغانستان لكل الأفغان وحتى التصريحات الحالية غامضة تحتمل كل التأويلات. وهو ما يؤكد أننا مقبلون على مرحلة ضبابية ينعدم فيها اليقين، وأن الوضع أشبه بمغامرة غير محسوبة العواقب. وهكذا صار خلط الأوراق الصيغة المفضلة لتدبير الأزمات وكأن هناك إصرار على تدبير العالم بنظام الفوضى التي قد لا تكون دائما خلاقة، بل تكون حريقا قد يأتي على الأخضر واليابس.
    أوربا كانت أكثر وعيا بخطورة الحدث لأنها تعي جيدا أنها أول من سيؤدي الفاتورة من أمنها واستقرارها. ستتضرر أوربا من حيث الهجرة المتدفقة إليها، والتي ستزداد في ظل احتمال نشوب حرب أهلية في البلاد في حالة تضرر جهات أو فئات أو إثنيات من حكم طالبان، مع ما يترتب عن هذه الهجرة من احتمالات تصدير إرهابيين أو مشاريع إرهابيين لأنها تبقى الخيار المفضل للهجرة كما حدث مع سوريا وغيرها، وستتضرر من حيث كلفة هذا الاحتضان، وسينتعش على المدى المتوسط، إن لم نقل القريب، اليمين المتطرف في أوربا في هذه الأجواء سياسيا وانتخابيا. وسيزداد الضغط على أوربا بعد خطوة تركيا، كعادتها في تبني خيار نفعي انتهازي، التي استبقت التطورات لتفادي كل تأثير سلبي فشرعت في بناء جدار فاصل على طول حدودها مع إيران لمنع تدفق اللاجئين الأفغان. وللإشارة فطول هذا الجدار العازل يبلغ 243 كيلومترا بارتفاع يقدر بـثلاثة أمتار. هذه هي تركيا الداعمة لأفغانستان وشعبها والتي لا تفكر في الحقيقة إلا في مصالحها وغير مستعدة لتقاسم معاناة الأفغان مع شركائها الأوربيين.
    سيتضرر حلف الناتو أكثر والتحالف الأمريكي الأوربي الذي ستضعف الثقة بين مكوناته، وهو الذي كان نجاح ترامب فرصة للم شمله بعد سوء التفاهم الذي ساد في ولاية ترامب. ولذلك كان حرص قادة أوربا على وجوب توحيد المواقف تجاه طالبان وعدم انفراد كل طرف بموقف مستقل لأن من شأن ذلك سيادة منطق المصالح الأحادية، وخاصة في ظل استعداد دول مثل الصين وروسيا وباكستان والهند لاتخاذ مواقف إيجابية تجاه طالبان.
    ستظهر أمريكا أمام خصومها بمظهر المنهزم الذي يفضل مصالحه دون مراعاة شركائه، وسينضاف ملف أفغانستان إلى الملف النووي الإيراني الذي دخلت مفاوضاته مرحلة التعنت الإيراني التي رفعت سقف اشتراطاتها حين اكتشفت التردد الأمريكي.
    سيكون الملف الأفغاني مستقبلا فرصة للصين وروسيا والهند لتبرز دورها في المنطقة باعتبارها لاعبا أساسيا وصاحب مصالح استراتيجية كذلك لا يمكنه القبول بأي حل هناك يمكن أن يتضرر منه. وحينها يمكن أن نتصور حجم التناقضات التي كان المنتظم الدولي في غنى عنها لو تم تأمين انسحاب مدروس ومتأني وبدون مخاطرة تسليم البلاد للمجهول في أيدي قوة مغامرة ليس من السهل أن تتحول بهذه السرعة إلى التفكير بمنطق الدولة والسلم الدولي.
    ورغم الاختلاف المذهبي ومخاوف انتقال التداعيات السلبية لحكم طالبان عليها تبدو إيران غير متضررة من هذه التحولات لأنها استبقتها بتنسيق مع طالبان. لإيران حدود مع أفغانستان تفوق 900 كيلومتر وهي معرضة لموجة نزوح جماعي تريد منه تحقيق إيجابيات فك العزلة عنها بابتزاز المنظمات الدولية للتعامل معها، وهي استضافت وفدا من طالبان مرتين، مرة في نوفمبر 2019 عند بداية المفاوضات في الدوحة، وفي فبراير 2020 بعد التوصل إلى الاتفاق، ولم يعد الإعلام الإيراني يصف طالبان بالتكفيريين وغير ذلك من الأوصاف القدحية مستفيدة من درس أدربيجان. وفي الآونة الأخيرة استضافت إيران جلسة مفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية في 7 يوليو 2021 تحت رعاية جواد ضريف الذي تمسك بدعوة الطرفين للعودة إلى المفاوضات، معلنا استعداد إيران للمساعدة.
    يبدو أننا أمام تحول عميق ستكون له ارتدادات كبيرة لن تقتصر على منطقة دون أخرى، وقد يفتح العالم على موجة إرهاب جديدة. ولذلك على الجميع الاستعداد المبكر لذلك.
    نتمنى أن تستدرك الإدارة الأمريكية الأمر، ونتمنى أن يتحقق التعاون الجماعي لكل الشركاء لإنقاذ أفغانستان وشعبها والمنطقة، ونتمنى أن تتغلب المصلحة العليا على مصالح ضيقة لبعض الدول. وفي انتظار ذلك على المغرب اليقظة تجاه ما يحدث فقد عودنا حماته التدبير الاستباقي والاستراتيجي لمثل هذه الملفات حتى لا نسقط في ردود الأفعال.
    كثيرون انتظروا خطاب الملك بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، ومنهم من كان انتظاره على أحر من الجمر، ليعرفوا رد المغرب من خلال أعلى سلطة في البلاد على خطوة الجزائر. وكالعادة كان خطاب الملك راقيا ومسؤولا وصريحا وحاسما وواضحا. كان خطابَ المسؤول الذي يزن كلامه بميزان من ذهب لأنه يستشعر ثقل المسؤولية. لقد تأكد من هذا الخطاب رسميا أن المغرب مستهدف واتضح أن سبب استهدافه هو عراقته وأمنه واستقراره ونموه وتضامن مكوناته، واتضح أكثر أن هذا الاستهداف مصدره دول ومنظمات. لقد كان الملك واضحا حين قال بأن قواعد التعامل تغيرت، وبعض قادة الدول للأسف لم يستوعبوا بأن المشكل في أنظمتهم وعدم مسايرتها للتطورات وانحسارها في الماضي، بل من هذه الدول من يعرف ضعفا كبيرا في احترام مؤسسات الدولة ومهامها التقليدية الأساسية. وبالمقابل تم تأكيد أن المغرب تغير فعلا في الوجهة التي تخدم مصالحه وليس كما يريده من لايزالون أسرى الماضي. انتصر الملك للمؤسسات ودافع عنها، وخاصة المؤسسة الأمنية، من خلال التذكير بقوتها وفعاليتها في الحفاظ على أمن واستقرار المغرب وكذا حضورها الإقليمي والدولي في عمليات الدعم والتنسيق. وهذا تأكيد على أن المغرب دولة مؤسسات تشتغل في ظل القانون وتحت رقابة الملك وتوجيهاته العليا. فأين هم غلمان حملة بيڭاسوس الكاذبة الذين يمنون النفس بتركيع المؤسسات ورجالها قبل أن يخرسهم ملك البلاد بعد أن جدد الثقة في المؤسسات ورجالها ووضع تضحيات الرجال وعطاءهم في سياقه الحقيقي، سياق الدفاع عن المصالح العليا للمغرب.
    كان الملك كذلك كبيرا في تعامله مع الخلافات مع دول من الجوار من خلال مواصلة الحرص على حل المشكل مع اسبانيا والحرص على علاقات قوية وبناءة ومتوازنة مع دول الجوار.
    ذكرت في هذا البوح أكثر من مرة أن مغرب ما بعد كورونا ليس كمغرب ما قبلها. المغرب قوي بمؤسساته ومقتنع باستراتيجيته ومؤمن بكفاءته وواثق في قدراته ومطمئن إلى شراكاته.
    ونحن في هذا البوح أحرص على مواكبة هذا المغرب الذي صار له موقع قدم في الساحة الإقليمية والدولية.
    فتحية لكل من يشتغل من أجل أن يكون المغرب الأعز قويا موحدا صامدا أبد الدهر.
    وإلى بوح آخر.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي