بوح الأحد: تصريح الناطق الأمريكي وماذا بعد في لعبة الأمم، نهاية الاستقواء …

بوح الأحد: تصريح الناطق الأمريكي وماذا بعد في لعبة الأمم، نهاية الاستقواء …

A- A+
  • بوح الأحد: تصريح الناطق الأمريكي وماذا بعد في لعبة الأمم، نهاية الاستقواء بالأجنبي وإحباط جديد للطوابرية بعد أن “وحل” فيهم إضراب سليمان، انهيار المنظومة الصحية في تونس الربيعية  وأشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    كما كان منتظرا، لم يستسغ الطوابرية الحكم الصادر في حق سليمان. وليت الأمر اقتصر على ذلك لأنه مفهوم ومتوقع، بل حتى طريقة تصريف عدم الرضى صارت معروفة تبدأ باستنكار الحكم وتمر عبر التشكيك في استقلالية القضاء وتنتهي بالتشكيك في الدولة كلها. لقد كانت صدمة الطوابرية كبيرة بعد أن اكتشفوا عدم جدوى كل محاولاتهم لفرض إرادتهم على القضاء وقد توهموا ربما أنهم قادرون على ذلك لأنهم يتصورون أن من يرفع صوته أكثر ويتحدث أمام الإعلام أكثر هو صاحب الحق وهو من يستطيع التأثير ولو بدون أدلة وبدون منطق وبالباطل في كثير من الأحيان.
    لقد اكتشف المعطي وكل صبية الطابور أن “اللي فراس الجمل فراس الجمالة”، وأن خطتهم قديمة ومتجاوزة لجرجرة المحاكمة والاستقواء بحضور منظمات دولية واللعب بورقة الإضراب عن الطعام ولي عنق نصوص قانونية وادعاء معطيات غير صحيحة. كل هذا لم ينفع ولن ينفع في ملف معروض على القضاء الذي يبقى وحده صاحب الكلمة الفصل.
    اكتشفت من تتمنى أن يضاف لها لقب أرملة الشهيد البطل أن اغتنام المحاكمة لإثارة الوضع الصحي لسليمان لن ينفعها في شيء ولن يمكنها من التقاط صورة له فوق كرسي أو داخل سيارة الإسعاف لاستدرار عطف المجتمع الدولي والرأي العام الوطني. وربما اكتشفت أن هذا مطلب أقرب إلى الاستحالة لأن الوضع الصحي لا يستدعي ذلك والتحاليل الطبية والمعاينات وتقارير مندوبية السجون مرجع في هذا الباب، وهي مرجعيات مسؤولة بينما تصريحات الطوابرية جزافية وعشوائية ولا تستحضر أن سليمان مضرب بإرادته أو إن شئنا الدقة بإرادتهم وأن الإضراب “وحل” فيهم ولم يستطيعوا إيجاد مخرج مشرف لهم منه.
    لقد فشل أصحاب التنوعير والتبوحيط الإعلامي في فرض اللاقانون وفي تعطيل القضاء وفي التلبيس على الرأي العام وفي كتم صوت الطرف الآخر الذي كان لتصريحاته وقع الحرج على من يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان فإذا به يدافع عن حقوق قبيلته وعائلته البيولوجية أو السياسية أو الإيديولوجية. اكتشف المعطي وحواريوه أنهم فشلوا في تحويل محاكمة سليمان إلى محاكمة سياسية وفشلوا في جعلها قضية جماهيرية رغم كثرة الهاشتاغات التي لم يتجاوز عدد المتفاعلين معها أعدادا قليلة تبين أن هذه ليست قضية المغاربة أو أنهم سئموا هذا التحالف بين هذه المكونات التي تستقوي بالأجنبي عليهم وتنتقص من سيادة الدولة بذلك الارتماء في أحضان الأجنبي الذي أصبحوا يرون المغرب بنظاراته.
    لقد ظل الطوابرية ينتقدون تأجيل المحاكمة مع الإبقاء على سليمان معتقلا وتحججوا بأن هذا في غير صالح سليمان، ولكن بعد أن فضحت النيابة العامة حقيقة الوضع وبينت أن سبب التأجيل هو دفاع سليمان الذي كان يلتمس دائما التأجيل ثارت ثائرة الدفاع و”حقوقيي الهمزات” وأصبحوا في موقع دفاعي غير مقنع في تبرير عكس ذلك.
    كان القضاء يستجيب للتأجيل تلو التأجيل واستغرق الأمر شهورا بمبررات غير مقنعة ولكن لا يمكن إلا الاستسلام لها طالما فيها بعض المعقول وعلى أمل في التعقل وتغليب منطق الانتصار للقانون والعدالة ولكن النضج كان عملة مفقودة عند معسكر وضع نصب عينيه هدفا واحدا هو الانتصار الظالم لسليمان بأي ثمن ولو على حساب الطرف المشتكي والعدالة والقانون. دامت المحاكمة شهورا حيث انطلقت في فبراير ولم يصدر الحكم حتى يوليوز وبذلك فقد نالت الوقت الذي تستحقه ونال فيها دفاع سليمان وقته الكافي لإعداد دفاعه وحصل على ملف المتابعة كله وكان أمامه كل الطرق لإثبات براءة موكله وفق ما تقتضيه المحاكمة العادلة، بل عقد دفاعه ندوات ولقاءات صحافية وأصدر بيانات وتوضيحات دون أن يتعرض له أحد أو يمنعه أحد. ورافع دفاع سليمان في طلب السراح المؤقت الذي كان  يتقدم به في كل جلسة ولم يستجب له من طرف القاضي الذي يعتبر وحده صاحب السلطة التقديرية في ذلك، وقد لا يتفق معه البعض أو الكل ولكن ليس لهم إلا أن يحترموا القضاء واستقلاليته.
    للأسف، يتحدث الطوابرية عن العدالة الناجزة وعن ضرورة البت السريع في الملفات ويصبون جام غضبهم على القضاء أثناء التأخر في البت في الملفات أمامه، ولكنهم بلعوا ألسنتهم في ملف الريسوني وصاروا يطالبون بالإبطاء والتأخير والتجرجير لأن التسريع لا يخدم مصالحهم.
    دفع الطوابرية سليمان إلى الإضراب عن الطعام ليضغطوا به على الدولة ويربكوا به القضاء ولكنهم الآن صاروا في ورطة، وللأسف انطلت اللعبة على سليمان الذي شربها وانتبه إليها الراضي وبوعشرين. سقط سليمان في فخ نصبه له المعطي الذي كان هدفه تخفيف الضغط عليه وفك الطوق المضروب عليه وهو المتابع في ملفات بتهم يندى لها الجبين لأنها تتعارض مع ما يرفعه من شعارات النظافة والمواطنة. لماذا أوقف عمر إضرابه عن الطعام؟ ولماذا لم يدخل بوعشرين في إضراب مفتوح عن الطعام؟ تعللا معا بوضعهما الصحي بينما رضي سليمان لنفسه أن يكون “كاميكازا” لغيره وشجعته من تريد أن تخلد اسمها على حساب صحته وربما حياته وهي التي صارت فأل شؤم عليه حين تربط اسمه دائما ب سليمان يقتل ويموت بينما تقول في مناسبات أخرى أنه مستعد لحضور المحاكمة التي يغيب عن حضورها. لقد تحولت إلى زوجة “حي وميت” تحييه عندما تريد وتميته عندما تشاء.
    وبمناسبة الغياب والتغيب والتغييب، لا بد من التذكير بالمعاينات التي تمت والتي كان يرفض فيها سليمان الحضور ويدلي فيها دفاعه بأن وضعه الصحي لا يسمح. وبقدرة قادر، صار ممكنا له الحضور. في الحقيقة التي لا تقبل القسمة على اثنين يمكن القول بأن سليمان ضحية لدفاعه وأصدقائه وعائلته التي بدا عندها اسمه مجرد رقم أو انتحاري يقوون به مواقعهم ويؤكدوا به صواب رؤيتهم السوداوية للمغرب.
    لقد كانت لحظة النطق بالحكم على سليمان فاصلة بينت أن المغرب قطع مع منطق الابتزاز وأن كل سلطة تباشر مهامها وفق ما هو منصوص عليه دستوريا وقانونيا وأن لا شيء يمكنه أن يؤثر على هذا الخيار مهما علا شأنه. ولذلك فقد سقط في يد الطوابرية واكتفوا فقط بالاستنكار دون نقاش الحكم ومرجعياته ومستنداته بلغة قانونية. وكانت الصدمة الكبرى حين اكتشفوا أن المغاربة يعرفون الحقيقة وغير متجاوبين مع ادعاءاتهم.
    وكما أرخميدس حين قال بعد طول تفكير “يوريكا= وجدتها”، وجد الطوابرية الفرج في تصريح لنيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قال فيه بأن “الولايات المتحدة قلقة من الحكم على سليمان الريسوني بالسجن خمس سنوات وبأن الإجراءات التي تمت لمحاكمته تتعارض مع القيم الأساسية لنظام العدالة المغربي وتتعارض مع أجندة العاهل المغربي للإصلاح”. هل في هذا التصريح ما يحتفى به؟ هل يشرف الطوابرية الاستقواء على بلدهم بالخارج؟ هل يخضع هذا التصريح لمنطق متماسك؟ وهل يمكن التجاوب معه من طرف المغرب؟
    إبداء القلق حق لأي كان وهو موقف عاطفي قد ينشأ عن تقدير سياسي ولكنه بالتأكيد لا يصح أن يكون ميزانا لوزن سلوك دولة.
    والتأكيد على تعارض الحكم مع نظام العدالة المغربي يستلزم الاستدلال بنصوص من هذا القانون تم خرقها في كل أطوار هذا الملف، وإلا فإن الأمر لا يعدو أن يكون موقفا سياسيا أريد إلباسه لباسا قانونيا.
    والحديث عن الأجندة الإصلاحية للملك شبيه بدعوة أمين عام مراسلون بلا حدود الذي توجه رأسا للملك مستعطفا إياه ومتناسيا ما على المشتكى به القيام به تجاه المشتكي وتجاه العدالة وتجاه نفسه قبلهما. هذه الأجندة الإصلاحية للملك هي التي تنطلق من احترام الفصل بين السلط واحترام استقلالية القضاء ومجالات تدخل الملك محددة دستوريا وكان أولى بسليمان ودفاعه أن يسرعوا بانتهاء المحاكمة ويتجنبوا تسييس الملف واستعداء الطرف المشتكي “باش يديرو للماء منين يدوز”، ولكن للأسف ساروا ضد التيار الذي سيجرفهم جميعا حين يكتشفون بأن زمن المحميين ولى وبأن هذا زمن السيادة والمغطي بديال البراني عريان.
    تعتبر أمريكا شريكا للمغرب وتربط بين البلدين علاقات تجعل إبداء الرأي أمرا عاديا، ولكن فرق بين إبداء الرأي وبين إلزام المغرب بما لا يراه في مصلحته أو يتعارض مع قوانينه وسياساته، وفرق بين الرأي المؤسس على معطيات موضوعية وقانونية وبين آراء انطباعية مبنية على كلام مرسل من جهة واحدة ذات مصلحة ذاتية.
    لم أفهم شخصيا كيف لتصريح بهذه الخفة أن يخرج من ردهات إدارة الخارجية الأمريكية بهذه العيوب المنهجية والشكلية والمضمونية والسياقية.
    هل يمكن تقبل بناء الإدارة الأمريكية موقفا في قضية معروضة على القضاء بدون الاطلاع على الملف كاملا؟ وهل يمكن تقبل بناء موقف في قضية بدون الاستماع إلى كل أطرافها؟ ألا يعتبر هذا انحيازا مفضوحا لطرف على آخر؟ وما الذي يمنع هذه الإدارة من الانفتاح على الطرف الآخر المشتكي؟ ولماذا بالضبط في هذه القضية لم تقف هذه الإدارة على مسافة واحدة من الجميع؟ ألا يعتبر هذا الانحياز إضرارا بطرف يستلزم الوضع العام إنصافه وفق المعايير الحقوقية التقدمية لهذه الإدارة؟
    فهل بعد رواج تسجيل اللقاء بين سليمان وآدم لازال هناك من يتصور أن القضية مفبركة وليست واقعة مادية واضحة؟
    في الأول كان سليمان ينكر حتى سابق معرفته بآدم و بعد أن واجهه آدم بالتسجيل لم يجد غير الصمت كسلاح، و بعدها رفض أن يعطي عينة من صوته للخبرة التي تكلف بها مختبر الصوتيات التابع للدرك الملكي، لكن الخبرة أثبتت أنه صاحب الصوت وتفاصيل الحديث بين آدم وسليمان تغني عن كل شيء. إنها الحقيقة، حقيقة سليمان التي لن تسعفها محاولات التزييف والطمس، وهي الحقيقة التي جعلت الكثيرين يتحفظون على التضامن الأعمى مع سليمان.
    عندما كان بعض حواريي  سليمان يبحثون عن حل وطلبوا من آدم أن يتنازل، ربط التنازل باعتذار سليمان، لكن سليمان ومحيطه ٱختاروا سلاحا جربه من قبل توفيق بوعشرين ولم ينجح فيه والنتيجة الآن واضحة أمام الجميع، لقد كانوا يبحثون عن صفقة مع المخزن تخدم سليمان وتصادر حق الضحية وهو أمر لم يتحقق ولن يتحقق أبدا.
    وما يثير الريبة أكثر هو هذا الإصرار غير المبرر في تصريح الخارجية الأمريكية على ربط المحاكمة بالصفة المهنية للمشتكى به وربط المحاكمة باعتبارات سياسية رغم أنها محاكمة عادية في قضية حق عام. لماذا يحاول البعض ربط المتابعة بقلم الكتابة لسليمان وليس بقلمه الآخر وما كان يريد اقترافه؟ متى كانت كتابات سليمان مزعجة للدولة؟ هؤلاء مساكين يتوهمون وكأن النظام هش لدرجة قد يعصف به مقال. لم يخبروا بعد قوة هذا النظام وتماسكه وتجدره. ولذلك فهم معذورون.
    إن سلمنا بأنه من حق المنظمات وحتى الدول أن يكون لها رأي. فهل يمكن التسليم ببناء هذا الرأي على معطيات ناقصة أو مغلوطة أو على قوانين غير قوانين البلد؟ قيمة الرأي تكمن في مدى انسجامه واحترامه للقانون المغربي. وهذه محاكمة احترمت فيها كل المعايير وكان القانون فيها هو السيد ويمكن للدفاع ان يتحدث بلغة القانون ويبين الثغرات ومفتوح الباب أمامه في درجة التقاضي الموالية لقول رأيه أمام القضاء.
    أكبر خطأ تضمنه بيان الخارجية الأمريكية هو صمته عن التهم الموجهة لسليمان وكأنه نفي لها وهي الإدارة التقدمية التي يجب أن تدافع عن حقوق المظلومين. هل يجب غض الطرف عن التهم الموجهة لسليمان وعمر؟ هل يجب تبرئتهم بقرار سياسي تحت الضغط وملفهم معروض على القضاء؟ ألم يكن الأجدى بالمصرح أن يبين أين كان خرق القانون في المحاكمة؟
    ألا يعتبر إبداء الرأي بهذه الطريقة في شأن مغربي صرف تدخلا في شأن دولة ذات سيادة؟ هل يقبل من الإدارة الأمريكية مستقبلا أن تتحدث عن قضاء غير مستقل في المغرب وهي قد تدخلت في قضية معروضة عليه للتأثير على أحكامه؟
    ستتناسل الأسئلة بدون نهاية إن أطلقت العنان لذلك، وستصب كلها في اتجاه واحد: طريقة بناء هذا الموقف خاطئة وطريقة تصريفه مستفزة ولغته استعلائية ومنطقه وصائي وخلاصاته منحازة وهذه كلها أمور يرفضها المغاربة لأن سيادة المغرب خط أحمر، ومحاولة الدوس على كرامة المغاربة لعب بالنار.
    من حق الأمريكان طلب معلومات، بل من حقهم تجميع المعطيات من كل الأطراف ولكن ليس من حق أحد تقديم شهادة حسن السلوك للمغرب. زمن الحماية ولى إلى غير رجعة والحمد لله أن المغرب قوي بجبهته الداخلية الموحدة والملتفة حول خيارات البلاد الكبرى والتي لن تؤثر فيها أصوات نشاز اعتادت الاستقواء بالأجنبي وأن تخرق القانون دون أن تكون عرضة للمتابعة.
    إن المغرب قوي بشراكاته المتعددة وعلاقاته المتنوعة التي تتسع يوما بعد آخر. وهذا خيار استراتيجي لن يتراجع عنه المغرب ولو أغضب البعض لأن المغرب لن يرضي أحدا على حساب آخر. وهو أحرص على علاقات جيدة مع الأمريكان والاتحاد الأوربي والعرب وروسيا والصين وغيرهم. والدبلوماسية المغربية قادرة على تدبير هذا التنوع والموازنة بين كل هذه الشراكات باستحضار للمصالح المتبادلة وأينما كانت مصلحة المغرب فسيوجد المغرب دون أن يؤثر ذلك على علاقاته مع الآخرين.
    من تداعيات تصريح الخارجية الأمريكية التي كشفها المغاربة هناك انفضاح أمر الطوابرية الذين بينوا فعلا أنهم طابور خامس، بما تحمل الكلمة من معاني، فقد احتفلوا بشكل مبالغ فيه بهذا التصريح وكأنه وحي منزل من السماء أو هو الحق الذي ليس بعده إلا الباطل، فماذا بعد؟ أو كانوا يظنون أن سليمان سيغادر السجن في اليوم الموالي؟ إنها لعبة الأمم فالدولة العميقة في أمريكا لا تؤمن بتصريحات استهلاكية لهذا الناطق أو ذاك الذي يقفز على الحقيقة بشكل أهوج وللأسف لم يتذكروا، لأن ذاكرتهم قصيرة، محاكمة شفيق العمراني التي لم ينفع معها تغوله بالقنصل الأمريكي وتنكره لمغربيته واعتزازه بجوازه الأزرق وجنسيته الأمريكية. لم يهرب من قدره ومن جزائه كما ينص عليه القانون المغربي ولم ينج من حكم القضاء المغربي الذي مارس اختصاصه دون الخضوع لضغوط أو أي شكل من أشكال التأثير. والأهم أنه حوكم محاكمة عادلة.
    ليطمئن المعطي وماما خديجة فزمن الاستقواء بالأجنبي ولى ومفعول تصريح الخارجية منعدم لأنه بدون أثر ولم يبن على معطيات دقيقة ولم يرتكز تعليله على أدلة قانونية قاطعة. وليس بعد الاطمئنان إلا الإحباط طبعا. ولى زمن السيبة وعهد الابتزاز ذهب إلى غير رجعة، واللي عندو الصح يتقدم أمام المحكمة التي ستبت في الملف في الدرجة الموالية وكون سبع وكولني. أما لغة التجرجير والتنوعير ولعبة الانسحاب بعد الاقتراب من نهاية المحاكمة فقد صارت ممجوجة و”معيقة” وهي تسيء لفاعليها وتضر بسليمان وعمر أكثر من غيرهما.
    يتابع المغاربة هذه الأيام باهتمام كبير حدث التعديل الحكومي الإسباني الذي أطاح برأس وزيرة الخارجية التي تسببت في سوء تفاهم بين البلدين ما تزال تداعياته قائمة إلى كتابة هذا البوح، ويتابعون أكثر التصريحات الجديدة للإسبان تجاه المغرب، وهي تصريحات مطلوبة لإصلاح الخطأ وإصلاح ما أفسدته الوزيرة السابقة وما اقترفته من سلوكات وتصريحات وضعت الإسبان والاتحاد الأوربي في حرج. يتابع المغاربة كل هذا وهم على يقين من انتصار المغرب وعدالة مطالبه وجدوى طريقة احتجاجه وتمسكه بسيادته وحكمة تدبيره، ويشجع المغاربة طبعا كل تصالح مع أي جار ويتفهمون رغبة الإسبان في إصلاح خطئهم بما يحفظ ماء وجههم.
    وبالمقابل، يتابع المغاربة الطابع العدواني لسياسة جنرالات الجزائر تجاه الجار المغربي.
    هي الجزائر التي أبرق لها المغرب مهنئا بعيد استقلالها ترد التحية بأسوأ تحية، وتنشر في مجلة الجيش سمومها ضد المغرب ومغالطات ضد التاريخ والجغرافيا، والنشر في هذه المجلة وحده كاف لفضح الطابع العسكري للدولة ولفضح مهزلة انتخابات الواجهة ودورها في امتصاص غضب الحراك الشعبي الذي وصفه تبون بالمبارك وقال بعد الانتخابات بأنه لم يعد مباركا. “سبع أيام ديال الباكور سالات”.
    هي الجزائر الواقعة في قبضة شنقريحة وأعوانه المستعجلين للعودة إلى زمن بوتفليقة وسياساته. أين التشبيب؟ وأين محاكمة ومحاسبة الوجوه القديمة؟
    إعادة تعيين رمطان لعمامرة وزيرا للخارجية وهو المنصب الذي يتولاه للمرة الثالثة بعد مرتين في الحكومات الأخيرة لبوتفليقة مؤشر على هذا الاستعجال للعودة لإرث بوتفليقة، ومؤشر على حالة الجنون والعداء التي أصابت شنقريحة وتبون تجاه المغرب. لقد استفاقت هذه العقدة مرة أخرى بعد سلسلة الهزائم الدبلوماسية الجزائرية أمام المغرب. للأسف، ينشغل الجنرالات بالمغرب ويتناسون الحالة الوبائية التي تتفاقم يوما بعد آخر ولم يعد ممكنا التستر والتكتم عليها.
    عودة لعمامرة رسالة سلبية للشباب ولجيل الحراك تصور البلاد وكأنها في حالة عقم أن تنجب كفاءات قادرة على قيادة الدبلوماسية بحنكة وتطلع للمستقبل مراعاة للمصالح الحيوية للجزائر وجوارها. وهي عودة كشفت أن شعارات القطيعة مع الماضي التي سوقت لشل الحراك الشعبي لا تعدو كونها زائفة جوفاء ومناورات ليس إلا.
    لن يضر لعمامرة ومشغليه المغرب في شيء، والساحة فيصل بين الجميع، ولكن الجزائريين صاروا على وعي تام بأن هذا السباق والهوس الجنوني الجزائري بالمغرب هم من يؤدي ثمنه، بينما المغرب منشغل في جهاده الأكبر ضد كورونا ولربح رهان التنمية. هذا هو الفرق الحقيقي. المغرب منشغل بقضاياه وفق جدول عمل ينفع المغاربة بينما الجزائر منشغلة بالمغرب وتستثمر في ما يضر المغرب متناسية مصلحة الجزائر ومصلحة الجزائريين. للأسف ضيع الجنرالات البوصلة ويدفع الجزائريون الثمن وحدهم.
    وغير بعيد عن الجزائر يأتي صوت من أحد الأطباء التوانسة ليوضح حقيقة الوضع المؤلمة التي تغافلها الساسة والرئاسات الثلاث. “أصبحنا شعبا بلا دولة ومرضى بلا علاج وموتى بلا مأوى”.. انهارت المنظومة الصحية التونسية وأصبح التوانسة عرضة للفيروس الفتاك ولم يرتق الساسة عن الترهات والحسابات الضيقة. هذه هي “الثورة الربيعية” كما سوقها البعض بديلا. سقطت في امتحان بناء الدولة، وفي امتحان ترسيخ الديمقراطية، وفي معركة العدالة الاجتماعية والمجالية، وفي الحماية الصحية، وفي تدبير جائحة كورونا. هل يصدق أنصار النموذج التونسي أنها صارت تحت رحمة مساعدات من سموهم زورا دول الثورة المضادة؟ هل سمعوا بمساعدات السعودية والإمارات ومصر لتونس؟ المساعدات السعودية وحدها شملت مليون جرعة من اللقاح و190 جهاز تنفس اصطناعي و319 جهازا مكثفا للأكسجين و150 سريرا طبيا. هل هذه هي الثورة المضادة؟ بدون أن ننسى مساعدات المغرب وقطر وغيرها من الأمم لإنقاذ الدولة التونسية.
    لقد كان هذا البوح مناسبة مبكرة أكدت فيها على أن زمن ما بعد كورونا مختلف على ما قبلها، وها هي الحقائق تتكشف وتتضح لكل من يبحث عنها، وها هي حقيقة الثورات وجدواها تتضح للرأي العام، وها هي خيارات كل دولة واضحة بأثرها على المواطنين.
    دام العز للمغرب والمغاربة، فقد أثبتوا حرصهم على أمن هذا البلد واستقراره ومصالحه التي لا يعلو عليها هدف آخر. فتحية لمن يعشق المغرب ويعتز بمغربيته.
    وإلى البوح القادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    بعد هزيمة فريق العاصمة بثلاثية نظيفة..الاتحاد الجزائري يقرر الطعن في قرار الكاف