ورطة إسبانيا

ورطة إسبانيا

A- A+
  • لم يسبق للجار الشمالي للمملكة أن وقع في قلب فضيحة من العيار الثقيل مثل ما حدث منذ 21 أبريل الماضي، حين قبلت إسبانيا دخول زعيم الانفصاليين إلى أراضيها بهوية مزورة، حيث شاءت الجزائر الإضرار بالمصالح الوطنية للمغرب، لكنها قدمت له هدية ثمينة لعبها حتى الآن بشكل جيد، فمنذ إعلان الصحافة الفرنسية والإسبانية عن دخول إبراهيم غالي بشكل «رخيص» إلى مستشفى إسباني، لم تدخل الخارجية المغربية سياق ردود الأفعال، بل انتظرت صدور تصريح رسمي جاء على لسان وزيرة الخارجية الإسبانية التي اضطرت تحت ضغط الصحافة والرأي العام، إلى الاعتراف باستقبالها لزعيم جبهة بوليساريو «لأسباب إنسانية».
    السؤال الذي طرح من طرف كل ذي بصيرة، هو كيف علمت السلطات الإسبانية بكون ابن بطوش الحامل لجواز سفر دبلوماسي جزائري القادم إليها في طائرة طبية جزائرية، هو نفسه إبراهيم غالي الذي طالب قضاؤها منذ 2008 استدعاءه والاستماع إليه في قضايا جنائية كبرى من طرف مواطنين يحملون الجنسية الإسبانية؟ ألم تساهم في عملية التزوير بإخفاء هوية شخص مطلوب للقضاء الإسباني الذي نعرف أنه مستقل وامتلك جرأة مساءلة رموز كبرى في الدولة، إذ في هذه الأيام بالضبط يحقق مع وزير الداخلية الإسباني؟.
    انتظر المغرب تصريحا رسميا، وبعدها استعمل الآليات الدبلوماسية المتعارف عليها في القانون الدولي بحكمة ورزانة، من خلال استدعاء السفير الإسباني لتفسير أمر استضافة أحد زعماء الانفصال المناوئ للوحدة الترابية للمغرب الذي هو شريك اقتصادي وأمني مهم لإسبانيا ثم جاء بيان وزارة الخارجية.. أرادت الجزائر التخلص من جثة، ولو أن الأعمار بيد الله – مفهوم الجثة هنا رمزي بالمعنى السياسي – لأن إبراهيم غالي لم يعد مرغوبا فيه لا داخل المخيمات ولا لدى السعيد شنقريحة الذي يشرف بشكل مباشر على حل مشكل خلافة زعيم الانفصاليين، فكيف رفضته ألمانيا وقبلته إسبانيا، هل فقط لسواد عيون جبهة البوليساريو أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
    قدمت الجزائر ورقة رابحة للمغرب، وقوته في الوقت الذي كانت تقصد إضعافه، إذ كانت تنوي صب الكثير من زيت التوتر على العلاقات المغربية الإسبانية، فإذا بالسهم يرتد، ليصبح حكام الجزائر في المصيدة، على اعتبار أنهم يقدمون صورة سيئة عن دولة ذات سيادة تستعمل التزوير لصالح شخصية تعتبر أنها تحظى بتعاطف دولي، ومع ذلك طمست هويته عن إسبانيا ومنحته اسم محمد بن بطوش، لكن الصحافة «فرشت» الخطة وتحول إبراهيم غالي إلى لغم يكاد ينفجر بيد الإسبان أنفسهم، بسبب الصراع الذي نشب بين وزارة الخارجية التي تبنت إدخال إبراهيم غالي إلى التراب الإسباني ووزارة الداخلية التي عارضت الاستضافة التي تسيء لإسبانيا وتورط الحكومة لا مع الجزائر ولا مع المغرب الحليف الاستراتيجي الذي يعتبر ظهرها الذي يحميها من كل الشرور، بل ومع القضاء الذي سبق له أن طلب الاستماع إلى العديد من قياديي جبهة بوليساريو الذين اعتادوا الدخول إلى إسبانيا بهويات مزورة، وفي مقدمتهم اليوم إبراهيم غالي..
    يوجد المغرب في موقع مريح، لأنه حين كان زعيم الكاطالان الانفصالي الإسباني يريد الدخول إلى المغرب، كانت رسالة الملك محمد السادس، هي الجواب بالرفض لأنه لا يمكن طعن الجار الإسباني من الخلف، وحين ألح عبر وساطات عديدة جاءه الرد باشتراط المرور عبر السفارة الإسبانية وحضورها في أي لقاء، هذه الخطوات أعلمت بها الحكومة الإسبانية، لأن المغرب لا يمكن أن يضحي بالمصالح الكبرى التي تجمعه مع إسبانيا بسلوك مثل هذا، لكن الحكومة الإسبانية تورطت فيما لا يخدم مصالحها، وهي المهددة بجحافل الهجرة وبالمخدرات والإرهاب وبضياع مصالحها الاقتصادية الكبرى مع المغرب، وليس لتندوف ولا لجمهورية الوهم ما تقدمه لها، لذلك لا مخرج لمدريد من هذه الورطة إلا أن تطلب رحمة الله وعدالته بعد أن حرك قاضي التحقيق مسطرة استدعاء الزعيم المريض والاستماع إليه في جرائم جنائية خطيرة، أما إذا لم يأت الموت الرحيم، فحلها يا من وحلتيها..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الشرطة القضائية بتنسيق مع الديستي توقف شقيقين يشكلان موضوع مذكرات بحث