العلاقات المغربية الفلسطينية.. تاريخ من الاحتضان والوفاء للقضية

العلاقات المغربية الفلسطينية.. تاريخ من الاحتضان والوفاء للقضية

A- A+
  • تاريخ من العطاء والمساندة والحزم في دفاع المغرب عن الحق المشروع في قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية.
    تاريخ حافل بالمبادرات السياسية والإنسانية في دعم شعب شقيق التزمت به المملكة الشريفة ملوكا وشعبا، وفي صفحات التاريخ السياسي لفلسطين المحتلة تذكر مشاركة المغرب البطولية في ساحة الوغى إلى جانب الأشقاء العرب في سوريا سنة 1973 في حرب أكتوبر، حيث أرسل 11.000 جندي للقتال مدعوما بـ 52 طائرة حربية و 40 أخرى من طراز F5 .

    إنه المغرب ذاك الصديق الوفي الذي لم يتردد يوما في الجهر بموقفه الثابت حيال القضية الفلسطينية، ولم يتوانَ في بذل قصارى جهوده في لعب دور الوساطة بين فلسطين وإسرائيل لتوقيع معاهدة إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي المعروفة اختصارا باتفاقية أوسلو.
    وتشكل القضية الفلسطينية نقطة التقاء واتفاق عند المغاربة مهما اختلفت الإيديولوجيات، حيث ارتبط المغرب بفلسطين منذ دخول الإسلام في المغرب في القرن الثاني الهجري، إذ كان المغاربة يتوجهون إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ثم يقصدون بلاد الشام لزيارة بيت المقدس نظرا لمكانتها الدينية والتي يحتفظ بها المغاربة حيث يعتبر المغاربة أن المسألة الفلسطينية مختزلة في عقولهم كقضية وطن، مسارها النضال والمقاومة .

  • لم يهتم بها المغاربة فقط لوجود العامل الديني لفلسطين وبالأخص القدس وإنما وصلها الرحالة المغاربة من أجل البحث عن العلم . فالرحالة أبو القاسم الزياني وأبو سالم العياشي حسب ما ذكره المؤرخون، كانوا يكتبون عن رحلاتهم عن فلسطين والقدس وهذا ما أثر كثيرا على الشعب المغربي، الذي يعتبر فلسطين ذاكرة تأبى النسيان ودما يسري في شريان قلوبهم، ذاكرة مستدامة صلبة عتية عن الذوبان أمام الإعصار .

    فلسطين لها حضور مميز وواعٍ يضاهي في قوته كثيرا، فهي قلب الوطن العربي . عندما يتحدثون عن القدس وكأنهم يتحدثون عن الأمل والرجاء والتسامح والفداء . فهي في أجندة الملايين من المغربيين وملتقى الديانات الثلاث، فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية لإنجاز المصالحة والوحدة . فالمغرب قدم الكثير للدفاع عن القدس ومواجهة التهويد . يدعمون فلسطين كواجب ديني وحضاري تفرضه العقيدة والحضارة والتاريخ والرؤية الاستراتيجية وكأولوية وطنية ضمن أجندات المغرب .

    يتذكرونها ليس عاطفيا وإنما فكريا وعمليا وتطبيقيا، هناك ارتباط بين المغرب وفلسطين ارتباط واعٍ عبر مقتضيات التاريخ ثم الاستراتيجية والسياسية والدعم العملي . ففكرهم ينسجم مع الفكر الفلسطيني الذي يحمل الحب وروح التعايش بين الأديان وترسيخ مفهوم السلم الأهلي بين الناس .

    المغرب دولة إسلامية فقوانينها الأساسية تضمن حرية ممارسة الشؤون المدنية لغير المسلمين . المغرب رمز التعايش فيعيش المسيحيون واليهود بكل طمأنينة . ويحافظ دائما المغرب على السلم العالمي ودائما يقوم على نبذ الصراعات والحروب ونبذ الإرهاب والتطرف عن طريق الإيمان والبرهنة والإقناع والدعوة للتلاقي والتعايش .

    ارتبطت جذور المغرب بجذور فلسطين والتحم الوفاء والوئام بينهما بالتعاون المستمر بروابط وطيدة . فارتبط بالقضية الفلسطينية على أكثر من صعيد . بعد حرق اليهود للمسجد الاقصى 1969، تم عقد أول مؤتمر لمنظمة المؤتمر الإسلامي بالدار البيضاء تحت رئاسة المغرب . وفي عام 1975 تم إنشاء لجنة القدس التي اتفقت عليها البلدان الإسلامية وشارك فيها الملك الحسن الثاني وشارك في تجريدة عسكرية 1973 .

    وبعد حرب أكتوبر شارك المغرب في اتفاقية السلام عام 1978 ، وقام المغرب بدور الوساطة بين مصر وإسرائيل لإرساء المفاوضات . وفي عام 1974 اتخذ قرارا في مؤتمر القمة العربية في الرباط أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي لفلسطين .

    1981 وفي سنة تم عقد قمة فاس الأولى بدعم من المغرب والأردن ليعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للفلسطينيين . للوصول إلى الحل الشامل على أساس الحق والعدل . وفي عام 1982 انعقدت قمة فاس الثانية لأول مشروع عربي للسلام أقر في القمة بإنشاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس . ولقب الملك الحسن الثاني أبو عمار برمز المقاومة والصمود .

    أعلنت منظمة التحرير باجتماع المجلس الوطني بالجزائر 1988، عن إنشاء سلطة فلسطينية وكان المغرب أول دولة يعترف بها . لم تنسَ فلسطين دور المغرب في دعم مدينة القدس عبر لجنة القدس في المؤتمر السادس لوزراء الخارجية في منظمة المؤتمر الإسلامي .

    حيث كان المغاربة سدنة للمسجد الأقصى وحاملين مفتاح القدس . وهناك باب في القدس اسمه باب المغاربة وسمي بذلك نظرا لأن القادمين من المغرب كانوا يعبرون منه لزيارة المسجد الأقصى . واسمه أيضا باب البراق وباب النبي وسمي بذلك لأنه قريب من حائط البراق عند السور الغربي للمسجد الأقصى .

    فعمق العلاقة الفلسطينية والمغربية تأتي من العلاقة الأخوية بينهما لإيصال فلسطين إلى طريق الحرية والاستقلال . تهتم المملكة المغربية بإيصال قضية فلسطين عبر المحافل الرياضية والثقافية والاجتماعية حيث رفع العلم الفلسطيني أكثر من مرة على أرض ملاعب المغرب .وهناك تعاون مشترك بين المغرب وفلسطين من حيث تبادل الخبرات والمجالات والمعرفة، وهناك اتفاقيات بينهما مثل اتفاقية في مجال الزراعة كالتأمينات الزراعية في المغرب وصندوق درء المخاطر بين التعاضدية الفلاحية للتأمينات الزراعية في المغرب وصندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية في فلسطين .

    وهناك اتفاقيات في مجالات التقنية ، ومجالات التعليم وتطوير المناهج ودعم الموهوبين وتدريبهم وتأهيل المعلمين وإعطاء المنح للمتفوقين الفلسطينيين، وهناك اتفاقيات في مجال البيئة وهناك توقيع مذكرة تفاهم بين المغرب وفلسطين للتعاون في المجال البيئي ولدعم البيئة في فلسطين . وهناك الكثير من العلاقات المهنية بينهما .

    ودعم المغرب القدس في مجال الاستيطان وعمل على إنقاذ القدس وحافظ على المقدسات وحافظ على سكانها نظرا لوجود الرابط الدموي بين فلسطين والمغرب من خلال استشهاد الحسني الطنجاوي وعبد الرحمن ازغار نصرة للقضية العادلة . يهتم المغرب في رسم البسمة والبهجة والفرح في قلوب أطفال فلسطين عن طريق الفرق الفنية التي تأتي إلى فلسطين خلال المهرجانات السنوية .

    فالعلاقة التاريخية قديمة جدا بين فلسطين والمغرب لما لها من دور هام في دعم وإسناد قضية فلسطين حيث يعتبرون أن قضية فلسطين لا يمكن التنازل عنها ولها حق في تقرير مصيرها وإقامة دولة فلسطين على ترابها الوطني ودعم الاستقلال وحقها الثابت في مواجهة الاحتلال .

    كانت رئاسة (لجنة القدس) من أشهر معالم دور الملك الحسن الثاني في القضية الفلسطينية، وكانت مساهمته في التمهيد للتسوية المصرية ــ الإسرائيلية أواخر السبعينات من أبرز مظاهر مداخلاته في معمعة الصراع الصهيوني العربي. ولكن من الغبن تماما أن يجري تلخيص دور الملك الراحل ومن خلفه السياسة المغربية في هذا الاطار في الملمحين المذكورين لمجرد الاستسهال أو لأنهما كانا الأكثر رواجا في الأدبيات ذات الصلة. فالسياسة المغربية التي أصل لها الملك محمد الخامس، وتابعها الحسن الثاني، تكاد تتفرد برؤى فكرية وخطوات حركية خاصة إزاء اليهودية وفلسطين والقدس، والعلاقات الإسرائيلية العربية.

    ومن هذه الرؤى ما يتصل بطبيعة المواطنة في إسرائيل ذاتها. وإذا كانت هذه السياسة قد عرفت خلال العقدين الأخيرين بالسعي لإقرار تسوية سلمية عربية إسرائيلية، إلا أنها أيضا تداخلت على الصعيد العسكري.

    فمن النقاط المهجورة نسبيا في أدبيات الصراع، تلك المساهمة المتميزة للقوات المغربية على جبهة حرب 1973 السورية. ولعل السؤال الذي يلح على الذهن في هذا المقام: ما الذي أدى إلى تغلغل المغرب الاستثنائي في عهد ملكيها الراحلين بخاصة على خط القضية الفلسطينية.

    إن استشعار الأسرة الملكية في المغرب بانتمائها للسلالة النبوية الشريفة، استوجب ضرورة العناية بمستقبل قضية محشوة بالأبعاد الدينية الإسلامية، مما يفسر الاهتمامات الذاتية للملك الحسن الثاني، فقد كان صاحب مقاربات فكرية عامة، وهو من أوائل الحكام العرب الذين أولوا عناية استثنائية بالشؤون الثقافية.. وأسس في هذا السياق (أكاديمية المملكة المغربية) تحت رعايته وإشرافه الشخصي ( وهي محفل انشغل بالبحث في الصراعات الدولية, أسبابها والحلول الممكنة لها، فضلا عن التطورات في النظام الدولي وآفاق التقدم التكنولوجي وتداعياته..).

    والواضح أن هذه القوى المعنية بمسار الصراع من بدايته إلى منتهاه، أدركت خصائص الدور الذي يمكن أن يضطلع به ملك المغرب، وسعت إلى وضعه في واجهة الأحداث مستجيبة بذلك لنوازعه الشخصية من ناحية، ولموقع المغرب الموضوعي من ناحية أخرى. مكانة مرموقة في هذه المحددات، معطوفة جميعها على مكانة المغرب الطبيعية في النظام العربي, المهموم منذ ولادته بالصراع مع الصهيونية وإسرائيل، تكمن الإجابة عن السؤال المطروح أعلاه. والحق أن الملك الحسن يدخل في زمرة الحكام القلائل على الصعيدين العربي الإقليمي والدولي، الذين لاقت سياساتهم ارتياحا من كافة الأطراف المنغمسة بشكل مباشر أو غير مباشر في القضية الفلسطينية.

    وتستدعي منظمة التحرير الفلسطينية بامتنان موقف الحسن الحاسم إلى جانب اعتمادها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وقضيته، في مؤتمر قمة الرباط الشهير لعام 1974، وكان الأردن قد عارض ذلك الاتجاه لأسباب وجدها الملك حسين وجيهة، تتعلق بقدرة الأردن كدولة ذات سيادة وعلائق دولية أرحب ومعنية بالقرار 242، على استعادة الأرض المحتلة عام 1967 لاسيما الضفة والقدس.

    لكن الملك الحسن الثاني أصر في المؤتمر على عدم إرجاء قرار الاعتراف بالمنظمة، نزولا عند (المسؤولية القومية للمغرب والعرب) وقد أشار محمد حسنين هيكل في تأريخه للواقعة إلى أن الحسن كاد يغادر القمة محتجاً، رغم أنه كان مضيفها، إلى أن اعتمد ذلك القرار. لقد ظل ذلك الموقف حيا في ذاكرة قيادة المنظمة، ولم تحاول هذه القيادة حرق مراكبها مع الحسن حتى في الأوقات القليلة التي أبدت فيها امتعاضا من بعض مداخلاته .. كدوره في ترتيب اللقاءات التمهيدية لرحلة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس عام 1977 وبدوره كان الحسن حريصا على الظهور بمن لا يطلب (أي سلام) مع إسرائيل.

    وكان حازما قبيل رحيله في نبذ سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتانياهو إذ رفض لقاءه كما رفض لقاء خلفه باراك، معتبرا أن الأفعال أصدق أنباء من الأقوال. وكذلك فإن لدى القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ما يحملها على الرضى من سياسات الملك الحسن تجاه الصراع في (الشرق الأوسط) فقد كان بالنسبة لها من المناهضين للنفوذ السوفييتي المضاد. وفي حقيقة الأمر، تفهم الغرب تماما الدوافع التي جعلت من الحسن وسيطا عتيدا لتحقيق التسوية السلمية العربية الإسرائيلية، وتم استغلال تلك الدوافع جيدا، بحيث أصبح المغرب محطة أساسية في عملية التسوية، ويلجأ لملكه وقت الأزمات لتسيير الأمور وتخطي العقبات على الجانب العربي بخاصة.

    وبالنسبة لهذه الأطراف، فقد رحل الملك الحسن الثاني في توقيت غير مناسب، باعتبار أنهم جميعا يوشكون على افتتاح الفصل الذي يعتبرونه ختاميا على صعيد الصراع الصهيوني العربي وقضيته المركزية فلسطين، وفي هذا الإطار كانت الحاجة ماسة لدور الملك، ومهما يكن من أمر مرافقة سلفه محمد السادس له واطلاعه على سرائر القضية خلال السنوات القلائل الأخيرة، فمن الصعب اعتبار ذلك كافيا لملء الفراغ الذي تركه الحسن الثاني.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المتفرج الأمريكي يكتشف تاريخ المغرب الحديث من خلال فيلم “خمسة وخمسين”