الدرس الملكي رسالة في السلوك المدني

الدرس الملكي رسالة في السلوك المدني

A- A+
  • قرار الملك محمد السادس بتأجيل كل الأنشطة والاحتفالات المرتبطة بعيد العرش لا يمكن أن يمر علينا دون فهم أبعاده، لأنه محطة مهمة لاستخلاص الدروس والعبر، ففي 14 يوليوز صدر بشكل مفاجئ بلاغ لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة تعلن فيه أنه أخذا بعين الاعتبار للتدابير الاحترازية المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية، التي تم إقرارها للحد من انتشار فيروس كوفيد 19، “فقد تقرر تأجيل جميع الأنشطة والاحتفالات والمراسم، التي ستقام بمناسبة تخليد الذكرى الحادية والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، على عرش أسلافه الميامين.”
    أي تأجيل حفل الاستقبال الذي يترأسه الملك بهذه المناسبة وحفل أداء القسم للضباط المتخرجين الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية، وحفل تقديم الولاء لأمير المؤمنين، وكذا طواف المشاعل الذي ينظمه الحرس الملكي، وكل الاستعراضات والتظاهرات التي يحضرها عدد كبير من المواطنين… وهي أنشطة تتسم بكثافة الحضور من جماهير المواطنين الذين يهبون إلى رحاب المشور السعيد للقصر الملكي لمشاهدة استعراضات لقوات الحرس الملكي التي تقام بالمناسبة أو لحظة خروج الملك في لباسه التقليدي وتلك الطقوس المصاحبة لحفل تقديم الولاء للملك.. وإذا علمنا أن عيد العرش هو تقليد أساسي في تقاليد الملكية المغربية، لم يتم التخلي عنه حتى في لحظات الحروب والاستعمار، بل إنه كان أداة نضالية لمواجهة الاستعمار ومناسبة لالتقاء الحركة الوطنية بكافة أطيافها، ومناسبة لتأكيد الولاء للعرش وإبراز التلاحم بين القصر والشعب، لذلك كانت احتفالات عيد العرش احتفالا مغربيا خاصا تُجدد من خلاله الملكية تعاقدها مع الشعب وتعبر الأمة بكافة أطيافها خلاله عن تشبثها بالملكية كرمز للوحدة والاستقرار الذي حفظ للمغرب هويته العريقة واستقلاله عن باقي القوات الغازية من العباسيين إلى العثمانيين، ومنح المملكة ما أسماه العديدون بالاستثناء المغربي في اللحظة التي كانت العروش تنهار تحت أقدام الحكام العرب..
    فتأجيل هذه الاحتفالات المركزية في هرم الملكية وتقاليد المجتمع بسبب جائحة كورونا، يقدم درسا في الوعي الصحي وعدم تعريض حياة المواطنين والمسؤولين إلى خطر العدوى، وهو درس مواطناتي يبرز الملك من خلاله احترامه لما سنته السلطات الصحية من تدابير وقائية كما في كل التجمعات التي تم إلغاؤها، وهو درس مدني، لأن الملك يقدم النموذج في إعطاء المثل بضرورة وضع السلامة الصحية للأمة فوق أي اعتبار حتى ولو كان الأمر يتعلق باحتفال من نوع عيد العرش.
    ليس هذا الدرس الوحيد الذي قدمه الملك محمد السادس بإعلان تأجيل جميع الاحتفالات المرتبطة بعيد العرش لهذه السنة بسبب جائحة كوفيد- 19، منذ إعلانه عن إنشاء صندوق كورونا حتى وضع كل المصالح المرتبطة بالقصر الملكي في خدمة الجهود المبذولة للقضاء على الوباء والتي بفضلها نجحت المملكة في تجاوز الكارثة في المعركة الأولى ضد كورونا، لكن لعيد العرش قيمة كبرى، ورمزية مرتبطة بجوهر النظام السياسي وهو تقديم الولاء للملك، وهو من التقاليد العريقة في معمار النظام الملكي بالمغرب، وأن يقوم محمد السادس بتأجيل كل الأنشطة والاحتفالات التي تقام بمناسبة عيد العرش هو درس ملكي بامتياز، يبرز أن الملك يضع مصلحة أمة وصحة وسلامة مواطنيها فوق أي اعتبار، وأنه يحترم الشروط الاحترازية التي وضعتها السلطات المختصة والتي تخضع المغاربة كلهم إلى قراراتها بشكل متساوي.. هذا الدرس الملكي نحتاج إلى استيعاب أبعاده كجمهور وكنخبة.. وكل أطياف الأمة المغربية العريقة…

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الشرطة القضائية بتنسيق مع الديستي توقف شقيقين يشكلان موضوع مذكرات بحث