تقرير جطو.. هل دقت ساعة المحاسبة؟

تقرير جطو.. هل دقت ساعة المحاسبة؟

A- A+
  • في كل دخول سياسي تنفجر بيننا تقارير المجالس الجهوية والوطنية للمجلس الأعلى للحسابات، وتتداول وسائل الإعلام بكافة أنواعها، السمعي، البصري، المكتوب ورقيا وإلكترونيا، ما يكشف عنه التقرير من اختلالات في التسيير والتدبير مما يصل إلى جرائم مالية تتم إحالتها على المحاكم المالية للنظر فيها.. وبذلك يصبح اسم إدريس جطو الأكثر تداولا في الحقل الإعلامي، يتحول إلى نجم حقيقي، وتقاريره تصبح مجالا للاستدلال والاستشهاد على سير هذا المرفق العمومي أو ذاك… المهم في هذا المسار هو أن لا أحد يطعن في مضمون هذه التقارير وهذا في حد ذاته جد إيجابي لأنه يجسد الثقة الاجتماعية في مؤسسة للرقابة العامة..

    اختلاسات، مصاريف غير مبررة أو منفوخ فيها، حسابات غير مضبوطة، اختلالات في التسيير، تمرير الصفقات العمومية لشركات محظوظة تفوز دوما بالزبدة وثمنها في غياب الشفافية والمراقبة على أوجه صرف المال العام، جل المؤسسات العمومية المعنية ببحث قضاة المجلس الأعلى للحسابات لا تسلم في الغالب الأعم من ملاحظات جوهرية حول أوجه الاختلال في تدبير المرفق العمومي، إما غياب برامج للحكامة، أو عدم خضوع السياسة العمومية في هذا القطاع أو ذاك لتسيير جماعي محكم ومراقب، عدا الفضائح الكبرى التي عرفها التقرير الأخير لإدريس جطو والتي تمس وزارات الحزب الإسلامي الذي رفع في حملاته الانتخابية شعارات محاربة الفساد والشفافية والمحاسبة والنزاهة وغيرها من الشعارات الأخلاقية التي برز للعموم أنها مجرد شعارات لدغدغة مشاعر العامة واستقطاب الأصوات لا غير…

  • لا يهمني في هذا المقام التطرق لكل أشكال الاختلالات والاختلاسات التي اكتشفها المجلس الأعلى للحسابات، في مجالس منتخبة ومؤسسات عمومية ووزارات… ولكن أفكر في طرح السؤال: وماذا بعد؟ هل سنستمر في كل سنة على نفس الوتيرة؟ زيارة قضاة إدريس جطو وخبرائه للمؤسسات العمومية، وقوفهم على اختلاسات وسوء تدبير، ووجود جرائم مالية في حق أموال دافعي الضرائب بلا حسيب ولا رقيب، وينشرون التقارير ويتداولها الإعلام ويستعملها الخصوم السياسيون كسلاح انتخابي ضد بعضهم البعض.. وينتهي الأمر، وتصبح تلك التقارير لها مفعول الأقراص المهدئة مع كل دخول سياسي، وتدور الحياة السياسية دورتها العادية ويعود المختلسون لذات السلوك، وناهبو الثروات إلى عاداتهم القديمة ومريضنا ماعندو باس؟

    أعتقد أنه لا معنى لتقارير المجلس الأعلى للحسابات على أهميتها في الرقابة البعدية على أوجه صرف المال العام، إذا لم تقترن بتفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، سياسة عفا الله عما سلف التي وكلنا الله على بن كيران رئيس الحكومة السابق الذي اتخذها نهجا للعفو عن كل من اختلس ونهب المال العمومي لا يجب أن تستمر.. المغرب بلد مؤسسات، والقانون يجب أن يكون فوق الكل، لذلك يجب أن تقترن تقارير المجلس الأعلى للحسابات بخطوة تالية وهي المحاسبة، يلزمنا زلزال آخر مثل ما حدث عقب حراك الريف، تقديم المختلسين والناهبين إلى المحاكمة، الحمد لله لدينا مؤسسات قوية، كل متهم سيظل بريئا ويخضع لشروط المحاكمة العادلة دون انتقام سياسي أو الاكتفاء بتقديم رؤوس كأكباش للفداء، لأن تقارير المجلس الأعلى للحسابات ليست قرآنا مقدسا، هذا هو السبيل لتفعيل مبدأ المسؤولية بالمحاسبة، ويصبح ذلك ممارسة عادية مثل عقوبة خرق الخط المتصل أو عدم احترام إشارة قف كما في حوادث السير، لا يجب أن يستمر من ثبت في حقه جرم مالي في تسيير أي مؤسسة عمومية، حرا طليقا، وأن يعاود الكرة بنقله من هذا القطاع إلى قطاع آخر، وهنا يجب أن نميز بين اختلالات التدبير التي لا تصل إلى حدود الجريمة المالية، وبين وجود اختلالات مالية وعدم صرف الميزانيات العمومية بشكل شفاف، أو الإدلاء ببيانات مزورة.. فهذه كلها جرائم مالية تستدعي المحاسبة وإحداث العقاب بمرتكبها.. وإلا فإن تقارير السيد جطو ستصبح مثل فقاعات براقة تغرينا للحظة، ثم نستفيق على حقيقة اختلاسات وسرقة المال العام في كل لحظة وحين.. “شوية ديال الجرأة الله يرحم ليكم الواليدين وراه البلاد تقاد..” مجرد رأي ولكم واسع النظر…

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي