حوار الأديان ينطلق من المغرب

حوار الأديان ينطلق من المغرب

A- A+
  • الزيارة التي يقوم بها الحبر الأعظم البابا فرنسيس إلى المغرب، تحمل أكثر من
    مغزى عميق يجسده الشعار الذي اختارته الكنيسة الكاثوليكية لهذه الزيارة البابا
    فرنسيس خادم الأمل- المغرب 2019، فعلى هذه الأرض ظل المغرب استثناء
    نادرا بالنسبة للأقليات الدينية بالمملكة التي تنعم بحقوقها، وظل السلاطين المغاربة
    منذ العهد الموحدي يسهرون على ترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك، من
    نصارى ويهود من أهل الكتاب، وكل السلالات الحاكمة حافظت على حرية عقائد
    من يعيشون داخل حدود المملكة الشريفة، ويذكر كثيرون ممن عاشوا بين أحضان
    المغاربة السلوك المتسامح والاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين واليهود،
    وهم ينوهون بالتعايش المشترك في الفضاء المغربي.

    إنه لقاء بين أمير المؤمنين والحبر الأعظم الممثل لحاضرة الفاتيكان ذات التأثير
    الكبير في العالم، عبره يتجسد المعنى الحقيقي لإمارة المؤمنين، بكون الملك هو
    أمير على كل المؤمنين من أهل الكتاب بمن فيهم المسيحيون واليهود، وفي هذا
    اختزال جميل لما نص عليه الدستور من حماية حرية ممارسة المواطنين على
    اختلاف مللهم ونحلهم لعقائدهم الدينية، واحترام كل الأطراف لحرية العقيدة في
    إطار التسامح والتعدد والاحترام الذي ميز تاريخ المغرب، فقد راسل السلطان
    الموحدي في القرن الثالث عشر قداسة البابا لإيفاد من يؤطر الأسرى والمعتقلين
    المسيحيين بالمغرب لضمان حرية ممارسة عبادتهم، حيث تم تعيين أسقف على
    جميع الأراضي الواقعة تحت سلطة الامبراطورية الموحدية لتأطير المسيحيين،
    لأن أمير المؤمنين كان يعتبر نفسه دوما أميرا على كل المؤمنين مهما تباينت
    معتقداتهم.

  • وقد تقوت هذه العلاقات مع السلطان الحسن الأول، وبعد الاستقلال استدعى محمد
    الخامس الباب يوحنا لحضور ذكرى استقلال المغرب، وفي عام 1960 زار
    رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم الكرسي الرسولي بروما حاملا رسالة من الملك،
    وفي عام 1980 كان الحسن الثاني أول ملك وقائد عربي وإسلامي يزور الفاتيكان
    ويلتقي البابا يوحنا الثاني عشر، وقد زار البابا المغرب في 1985 وتبادل الملك
    الراحل والبابا السفراء بين البلدين في إطار تمتين الروابط الأخوية، ونجح الحسن
    الثاني بصفته رئيسا للجنة القدس أن ينتزع بذكاء إدانة الكنيسة الكاثوليكية للجرائم
    الإسرائيلية وتجريم تهويد القدس الشريف.

    إن اختيار مواضيع جريئة للقاء بين الملك محمد السادس والبابا يوحنا بولس الثاني
    من مثل الإصلاح الديني، ترسيخ قيم السلام والتسامح، والترحيب بالمهاجرين
    وحمايتهم، وتعزيزهم ودمجهم، يجسد الخيار الاستراتيجي الذي تبناه المغرب منذ
    السلطان محمد الخامس ورسخه الحسن الثاني، ويسهر على تطويره الملك محمد
    السادس الذي زار الفاتيكان عام 2000 والتقى قداسة البابا الذي نوه حينها
    بالخيارات الطموحة للملك الشاب لتحديث المملكة وتعزيز قيم الإسلام المتسامح
    والمعتدل، وحفظ حقوق الأقليات الدينية في ممارسة حرية معتقداتها، من يومها لم
    يعد يبرز المغرب في اللائحة السوداء للتقارير الدولية حول حرية العبادات التي
    أصبحت مكفولة دستوريا..

    مع نمو الهويات المنغلقة وتزايد موجات التطرف الذي لا ملة له، يحتاج العالم
    اليوم إلى حوار حقيقي بين الأديان لتبديد سوء التفاهم والخلافات التي تنتعش منها
    كل التيارات الظلامية في العالم بأسره، وهو ما يجعل من زيارة البابا للمغرب
    محطة رئيسية على طريق حوار الحضارات والرغبة المشتركة بين المسلمين
    والمسيحيين في مد جسور الحوار بين الثقافات والأديان. فإذا كان لقاء أمير

    المؤمنين بالحبر الأعظم يعكس العلاقات الدبلوماسية التاريخية المتميزة بين
    المغرب والكرسي الرسولي، فإنه أيضا يعبر عن الرهانات المعلقة عليه لفتح
    أبواب الأمل أمام الملايين من أبناء الديانتين، من خلال فتح ملفات القضايا
    والتحديات المشتركة، واستماع كل طرف للآخر، ولا يوجد أحسن من المغرب
    أرضا لانطلاق هذا الحوار العظيم بين أمير المؤمنين وكبير البابوات
    الكاثوليكيين.. إنه المغرب الاستثنائي يا عالم..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الرباط: نايضة في حزب الاستقلال بعد توزيع المناصب قبل التصويت بالمؤتمر