أزمة النظام الجزائري ويتم بوليساريو

أزمة النظام الجزائري ويتم بوليساريو

A- A+
  • ما تعيشه الشقيقة الجزائر هو جزء من التحولات الكبرى الجارية بالمنطقة، فهذا البلد الذي كان يتغنى الحاكمون فيه بأنه لا يعرف الربيع العربي، كان كافيا ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لنفسه في الانتخابات الرئاسية لولاية خامسة برغم عجزه الذي لا يخفى على أحد، حتى امتلأ الشارع بكل فئات الشعب التي تستنكر استنزاف المجاهد بوتفليقة لكل رصيده السياسي في الاستمرار على رأس السلطة في استبلاد واستغباء فريد من نوعه لذكاء الشعب الجزائري، وفهم بوتفليقة والمحيطون به خاصة أخوه سعيد، أن الشعب يرفض صنمية السلطة، فسحب عبد العزيز بوتفليقة ترشيحه للعهدة الخامسة واقترح ما اعتبره خريطة طريق لمرحلة انتقالية، ضمنها تمديد ولايته الرابعة لأجل غير مسمى..
     
    لكن الشارع الجزائري نزل في “جمعة النصر” بالملايين بتنظيم محكم وبشعارات لم تعد مرتبطة فقط بترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة ولكن برفض حتى تمديد الولاية الرابعة من خلال شعار: “نقول لبوتفليقة ما بقات ولا دقيقة”، لقد ارتفع سقف المطالب التي لم تعد مرتبطة فقط برحيل عبد العزيز بوتفليقة ولكن برحيل كل رموز النظام التقليدي الذي حكم الجزائر واستنزف خيراتها وورطها في صراعات لا طائل من ورائها..
     
    ومن المتوقع أن تكون الجمعة القادمة، جمعة حسم في مصير بوتفليقة والرموز التقليديين للحكم ورجال الأعمال الذين كونوا ثروات خيالية بقربهم من الطغمة الحاكمة. ما تعيشه الجزائر يدل على وجود تحولات كبرى في المنطقة، أكبر متضرر فيها هم حكام الجزائر الذين اغتنوا على حساب تفقير أغلبية الشعب الجزائري، وثاني أكبر الضحايا هي جبهة بوليساريو التي تعيش فترة من أحلك أيامها وقد تعصف بها نهائيا..
     
    في سياق أزمة خلافة بوتفليقة وصعوبة تحقيق انتقال ديمقراطي بالشروط التي وردت في رسالة الرئيس الجزائري الذي ستنتهي صلاحيته دستوريا يوم 28 أبريل القادم، وفي حال استمرار الضغط الشعبي الجزائري على رموز الحكم، تعيش قيادة جبهة بوليساريو أحلك أيامها، الوضع شبيه بما حدث في ليبيا بعد أن أسقط الشعب العقيد معمر القذافي، إذ فقدت الجبهة أحد صناعها وداعميها الأساسيين، وإذا سقط كل الرموز التقليديين الداعمين للبوليساريو في صراعهم مع المغرب، فعلينا أن نتصور الوضع المأساوي الذي ستكون عليه قيادة الجبهة الانفصالية ومشروعها الذي تعرض للتفكك في أكثر من محطة، لن يبقى لها في هذه الحال غير جنوب إفريقيا البعيدة عنها جغرافيا ونيجيريا التي لن يُخطئ نظامها رياح التغيير..
     
    كيفما سارت عليه الأمور في الجزائر، فإن الرهانات على جبهة بوليساريو لن تظل نفسها، والدعم المالي والعسكري خاصة لن يظل نفسه، لأن المسار الانتقالي للحكم في الجزائر سيحتاج إلى مرحلة انتقالية تفرض تفرغ القادم إلى السلطة للمشاكل السياسية والاجتماعية الملحة للشعب الجزائري، في محاولة لامتصاص سخط جل شرائح المجتمع التي عانت الإقصاء والتهميش، وسيفرض الوضع الحالي على القادم الجديد لقصر المرادية، ترسيخ أسس الانتقال الديمقراطي، في ظل أزمة اقتصادية خانقة ومع الانعكاسات الخطيرة لسياسة التقشف، ستعاني قيادة بوليساريو من اليتم السياسي ومن الخوف على مصيرها كيفما كانت رياح الربيع الجزائري، خاصة وأن رموز القيادة الجديدة عاشت في كنف رموز النظام الجزائري الذي اتهمه الشارع بالريع والفساد والاستبداد، وتتذكر جبهة بوليساريو كيف تم إحراق مقراتها مع اندلاع أحداث الخبز في الجزائر في نهاية الثمانينات والتي كان من نتائجها السكتة الدماغية التي ضربت جبهة بوليساريو مع انتفاضة ساكنة المخيمات في 1988-1989، حين أطلق الحسن الثاني نداء “الوطن غفور رحيم”، والتحق أغلب مؤسسي الجبهة بالمغرب.. وما تلاها من تأسيس الاتحاد المغاربي وفتح الحدود بين الجزائر والمغرب وازدهار التبادل الاقتصادي بين البلدين..
     
    رب ضارة نافعة بالنسبة للمغرب ولقضية الوحدة الترابية، إذ لن يوجد نظام مشاكس ومعاند للوحدة الترابية أكثر مما عرفته الجزائر طيلة العقود السابقة التي وصل فيها تراكم الأحقاد إلى اندلاع الحرب بين البلدين أكثر من مرة.. لكن بالنسبة للبوليساريو فلن يوجد أكبر حضن وأقوى مساند من حكام الجزائر الذين يملك الشعب الجزائري وحده التقرير في مصيرهم.. ولا شماتة لنا نحن فيما يحدث بالجار الشقيق الذي نتمنى أن يخرج من محنته بأقل الخسائر…

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    السفير زنيبر يبحث مع غوتيريش ومسؤولين أمميين تفعيل أولويات مجلس حقوق الإنسان