هذا الوطن، وهؤلاء المغاربة

هذا الوطن، وهؤلاء المغاربة

A- A+
  • هذا الوطن، وهؤلاء المغاربة

    متى نعرف حقيقة ما نوجد عليه إما كأفراد أو كجماعات، ونعود للتطلع إلى الحال السابق والندم على فقدان ما كنا نتمتع به.. هو حين ننتقل من حال إلى حال، أو حين نفقد ما كنا عليه، فكما تقول الحكمة العربية: السعادة لا نحس بقيمتها إلا حين نفقدها.. لتعرف حقيقة بلدك، عليك بالسفر لدول مختلفة، مشابهة لبلدك وأخرى متقدمة عليه، لتحصل على المقارنة، حينها ستتعلم أن تكون موضوعيا في حكمك، ومنطقيا في معرفة ما يميز بلدك، سلبا وإيجابا.

  • مناسبة هذا الكلام أن أصدقاء عديدون حكوا لي خلال الأسابيع الأخيرة، حكايات طريفة في هذا الباب، بعضهم من أشد المنتقدين للوضع المغربي، باعتباره معارضا وغير راض على ما يوجد عليه بلده، ودائما يتأفّف من تخلف المملكة وعدم وجود الديمقراطية والحرية والعدالة، لكنه زار ثلاثة بلدان عربية خلال مشاركته في فعاليات ثقافية مختلفة في الأسابيع الأخيرة، فقال لي إنه عندما وصل إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء أحس بشعور غريب: الأمن والاستقرار، بنية تحتية حداثية، تنظيم محكم وموظفون برغم سوء بعضهم بشوشون وخدومون..

    سلوك المغاربة الذين كان هذا الصديق يظل يسب تخلفهم ويشتم جهلهم وعدم تحضرهم… بدوا له أكثر حداثة وأكثر تقدما برغم كل الأعطاب، مما رآه بأم عينيه في بلدان مماثلة لنا، وبعضها لها إمكانيات لا تعد ولا تحصى مقارنة بما يوجد لدينا، وقال لي بعظمة لسانه: “المغرب هرب بمسافة عقد أو عقدين من الزمان على العديد من البلدان العربية، “لاحوهم بزاف”، نعمة الاستقرار، الخيرات من الخضر والفواكه برغم الجفاف، تحس أنك فدولة عريقة وليست لقيطة، حتى تعليمنا الذي نشتكي من هزالته، ينتج على علاته كفاءات مغربية تعتبر مفخرة للمغرب”.

    صديق آخر حكى لي أنه ذهب لبلد عربي عبره الربيع العربي، ولم يترك به إلا اللحي والنقاب وتجهم الوجوه وسوء التعامل ويأس الناس، وانهيار كامل للخدمات، وغلاء استثنائيا في كل شيء وأدلى لي بفاتورتين: فاتورة فطوره بمقهى مطار محمد الخامس، والتي هي غالية على كل حال قياسا بثمنها خارج المطار، وفاتورة قهوة “صيك”، بأحد مطارات هذا البلد، التي تفوق بكثير وجبة فطوره بأرض البلاد! وأخذ يثني على المغرب ويعلق “ما تعرف بحساب البلاد حتى تخرج البرا وتقارن ديك الساعة النعمة اللي أنت فيها.”

    نحن لا نقول إن المغرب جنة على الأرض، ولدينا الديمقراطية والحرية والرفاهية الاقتصادية… أبدا، حققنا الكثير لكن أمامنا مسافات طوال علينا قطعها من أجل الرقي والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة حقا.. لكن نقول إننا أحسن من الكثير من الدول المشابهة لنا والتي لديها من الإمكانيات ما لا يعد ولا يحصى، المغرب ليس لديه بترول، ليس لديه غاز، حتى فلاحته تعتمد على رحمة السماء، كل ما ينجز على أرض المغرب هو من خالص ضرائب المواطنين، كلهم يساهمون في بناء بلدهم، وهذه أول فضيلة بالمغرب وهو أنه يبنى بشكل تشاركي بين المغاربة، كل حسب جهده وطاقته، بُعد آخر في المغرب هو نعمة النظام الملكي الذي ظل ينحاز دوما للشعب في كل المحطات الحازمة، ليس آخرها شكل تدبير المملكة لوباء كورونا الذي حاز إعجاب العالم… موقع الملكية في قلوب المغاربة تشكل الضامن لاستمرارية الدولة، ذلك أن الأجهزة الأساسية للأمن والجيش ليست محط تنافس بين الملل والنّحل، وهو ما يمنح المغرب نعمة الاستقرار، بعد آخر نحسه حين نغادر المغرب، وهو روح الروابط القوية بين القمة والقاعدة، من الأسرة إلى الحكم، ترسخ بعد التضامن والتسامح، برغم أن المغاربة لا زالوا يطمحون أن يكون حالهم أحسن مما هم عليه اليوم، وليسوا مستعدين على التضحية بكل المكتسبات الديمقراطية التي أحرزوها، وتلك فضيلة تاريخية حبا الله بها المملكة، فاللهم أدم علينا نعمة الاستقرار واحفظ هذا البلد من كل شر مستطير.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي