الحكمة والاتزان الدبلوماسي المغربي

الحكمة والاتزان الدبلوماسي المغربي

A- A+
  • الحكمة والاتزان الدبلوماسي المغربي

    الموقف الذي اتخذه المغرب بشأن الحرب الروسية الأوكرانية متعدد الأبعاد والدلالات ويحتاج إلى استيعاب روح الاتزان والحكمة التي أبان عنهما الموقف المغربي من عدم المشاركة في التصويت على قرار اتجاه الهجوم الروسي على أوكرانيا، حتى قبل انطلاق الحرب وفي الوقت الذي بدأت روسيا تحشد جنودها وعتادها على الحدود مع أوكرانيا، وجهت الدبلوماسية المغربية بلاغا للجالية المغربية بأوكرانيا والتي أغلب مكوناتها من الطلبة في جامعات ومعاهد أوكرانيا، بالرحيل عن البلد خوفا على سلامتهم وحفظا لأرواحهم وأمنهم.. وبالفعل نجا المئات من المغاربة الذين غادروا البلد قبل إطلاق أية رصاصة، ورغم أن العديد من الطلبة المغاربة فضلوا لهذا السبب أو ذاك البقاء في أرض توجد في فوهة المدافع والصواريخ الروسية، فإن المصالح القنصلية بأوكرانيا وبالدول المجاورة ظلت مجندة حتى بعد التقدم الروسي في التراب الأوكراني من أجل تدليل الصعوبات وإرشاد أفراد الجالية هناك من أجل الإجلاء، بل إن الدولة سهرت على أن تكون أسعار الخطوط الملكية المغربية رمزية خشية على أفراد الجالية من تجار الأزمات..

  • ودقت ساعة الحسم حين شنت روسيا هجومها على أوكرانيا، حيث عبّرت الخارجية المغربية عن تشبُّثها “باحترام الوحدة الترابية والسيادة والوحدة الوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”، و”بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، وتشجّع جميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات». وهو ما ظل يميز الموقف المبدئي للدولة المغربية اتجاه النزاعات الدولية منذ زمن بعيد، إنها تقاليد دولة أصيلة تقدر مصالحها بميزان من الذهب مهما كانت قوة الدولة المعنية بالحرب أو الصراع السياسي أو العسكري.. ولحظة تصويت الأمم المتحدة على مسودة قرار لإدانة روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، اختار المغرب الحياد بعدم الحضور لحظة التصويت، القرار أثار الكثير من الجدل باعتبار المغرب حليفا استراتيجيا للغرب، وكان يقتضي موقفه الاصطفاف إلى جانب أوروبا وأمريكا، تصوروا لو فعل المغرب ذلك، لوجد العديدون حجة لاعتبار المغرب تابعا وذيلا للحلف الأطلسي، بل لاتهموه بالتبعية وغياب الاستقلالية في اتخاذ قراراته، وفي الجهة الأخرى لو وقف إلى جانب روسيا، لاتهم بالتناقض بين ما عبر عنه بضرورة احترام الوحدة الترابية للدول وحرمة سيادتها.

    وجدت المملكة نفسها أمام صراع الديناصورات في ظل تغيرات جيوستراتيجية ستقلب مستقبلا وجه العالم الذي اعتدناه، فهو منذ اختار تنويع شركائه لكي يراعي مصالحه ولتحترم سيادته، وجد نفسه لأول مرة أمام شريكين استراتيجيين في الأزمة الروسية الأوكرانية: من جهة هناك الاتحاد الأوربي وأمريكا ومن خلالهما حلف الناتو المساند لأوكرانيا، وفي الضفة الأخرى هناك روسيا وحلفاءها، بما يجعل المغرب يتعامل برزانة وتعقُّل مع صراع حساس ستكون له تداعياته الخطيرة، لأنه يمتلك رؤية استشرافية في قراراته السياسية، ويدافع عن مصلحة البلد ويحافظ على المسافة الضرورية اتجاه شركائه وفق تقدير جيد لمصالحه الاستراتيجية التي لا يمكن أن يضيعها في كفة وازنة في مواجهة أخرى، وإذا كنا قد عبّرنا عن انتقاداتنا في غير ما مرة حين كنا نشعر بنقص أو تقصير في الأداء لدبلوماسيتنا من باب البناء لا الهدم، فإننا اليوم نرفع القبعة عاليا، احتراما وتقديرا لكل من ساهم في إنضاج قرار رزين وحكيم أشاد به كبار الاستراتيجيين العالميين.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي