سقوط أوراق التوت

سقوط أوراق التوت

A- A+
  • فجرت إعادة محاكمة عبد العالي حامي الدين، القيادي بحزب العدالة والتنمية، على خلفية قضية قتل الطالب اليساري بنعيسى “أيت الجيد”، جدلا واسعا في المشهد السياسي والإعلامي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بالنسبة لي لا يمكن إلا أن أعتبر أي حوار أو جدل مهما احتد هو علامة إيجابية على سلامة الجسم الاجتماعي والسياسي، على اعتبار أن الاختلاف رحمة للعالمين، ولا يمكن أن يفسد للود قضية ما دام متوجها للأفكار بالتمحيص لا إلى الأشخاص بالتنقيص، وما دام يراعي قواعد الحوار الديمقراطي ولا يحيد عنه..

    غير أن ثمة انفلاتات تؤرقنا وتشغل بالنا، بعضها ذو طابع قانوني أهل الاختصاص أولى به، وبعضها سياسي وأخلاقي، إذ بئس مجتمع لا يحترم القوانين التي يضعها، من هنا يتابع عبد العالي حامي الدين بتهمة معروفة وهي إمكانية تورطه أو مساهمته في مقتل أيت الجيد، إذ بعد العديد من التأجيلات أمام قاضي التحقيق في غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس، ظهر أخيرا شهود جدد يحملون عناصر يقولون إنها جديدة، وقد تكون مفيدة في إظهار الحقيقة الغائبة، التي ظلت عائلة الراحل تطالب بها، وعلى هذا الأساس وجه قاضي التحقيق استدعاءه لحامي الدين لتتم إعادة محاكمته.

  • المنطق الديمقراطي يفرض توافر عنصرين أساسيين، وهما: المطالبة بشروط محاكمة عادلة، واعتماد قرينة البراءة على اعتبار أنها الأصل.. لست من ذوي الاختصاص لأحشر نفسي في ألغاز قانونية لها رجالاتها ونساؤها من أهل القضاء والقانون ونقاشهم لا يمكن إلا أن يطور تجربة العدالة بالمغرب، ويعزز ثقة المواطن بها كان متهما أو ضحية.. لكن ثمة نوع من الانتقائية والكيل بمكيالين في الردود المصاحبة لإعادة محاكمة القيادي في حزب العدالة والتنمية والتي تكشف الوجه الخفي للحزب الحاكم، فإذا كان رئيس الحكومة أكثر ذكاء في التعامل مع هذه القنبلة المنفجرة في حزبه، فإن تعليق مصطفى الرميد يدعو للاستغراب وفيه نوع من التوظيف السياسي للمحاكمة، فوزير حقوق الإنسان الذي كان يمجد العدالة المغربية واستقلال القضاء الذي لا يمكن التشكيك في نزاهته لمَّا كان وزيرا للعدل، انقلب 180 درجة ليكيل التهم للقضاء ويشكك في استقلاليته، وهذا يطرح وضع مسؤولينا السياسيين، وواجب التحفظ الذي يمليه المنصب الحكومي، فحين مست الآلة القضائية مقربا من السيد مصطفى الرميد – الذي لا ننسى في “المشعل” أنه كان سندا لنا في قضايانا في المحاكم- كان يجب أن يظل منسجما مع نفسه ومع تصريحاته بعيدا عن منطق القبيلة الحزبية، وانصر أخاك ظالما أو مظلوما، فحامي الدين مغربي وهو بريء حتى تثبت إدانته، ولكن القتيل بنعيسى آيت الجيد شاب مغربي أيضا، ووراءه عائلة مكلومة لا تسعى إلى الانتقام كما لم يسع إليه الآلاف ممن غيبوا قسرا في سنوات الرصاص أو اغتيلوا، ولكن من حقها معرفة الحقيقة كاملة من جهاز العدالة ذاتها..

    ورأينا كيف أخرج ملف إعادة محاكمة حامي الدين العديدين من جحورهم، من محامين يريدون تسويق صورتهم على حساب المتهم والضحية سواء ولا يهم لا تبرئة المتهم ولا إدانته، وإنما الإعلاء من سقف الربح في مهنتهم، وآخرون استلوا خناجرهم لقتل استقلالية القضاء والطعن في نزاهة العدالة فقط لأن الأمر يتعلق بأحد أفراد قبيلتهم، وفي الوقت الذي كان العشرات من اليساريين توزع عليهم ظلما قرون من السجن لم ينبسوا بكلمة واحدة، لقد سقط التوت عن المتهافتين الذين يريدون زبدة الحكومة وغنائم المناصب الرسمية وبأي ثمن، وفي ذات الوقت يقومون بدور المعارضة لأنهم يفكرون بمنطق الحسابات الانتخابية ليستمروا في الحكومة.. وهذه انتهازية لا تخدم حزب العدالة والتنمية، فالوطن أولا هو الذي يجب أن يكون محط اعتبار.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    وزان: مركز للتكوين في الماشية ممول من أمريكا يتحول لمجال لتلويث البيئة