عزيز العويسي: على إسبانيا أن تعلم أن مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس

عزيز العويسي: على إسبانيا أن تعلم أن مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس

A- A+
  • قال الباحث والمحلل السياسي عزيز العويسي أن ما يجري الآن من خلافات غير مسبوقة بين المغرب وجواره الأوروبي، وخاصة مع ألمانيا والجارة الشمالية إسبانيا، يشبه بدرجات ومستويات مختلفة ما عاشه البلد طيلة القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين من تنافس إمبريالي جارف قادته فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا، تباينت وسائله بين الضغط العسكري والدبلوماسي والتجاري، بكل ما رافق ذلك من مشاهد الإهانة والابتزاز والتحقير والاستفزاز للمغاربة، ومن إصرار على عرقلة ما كان يتطلع إليه مغرب القرن التاسع عشر من إصلاحات كانت تعقد عليها الآمال لتخليص البلد من شر القوى الإمبريالية المتكالبة، التي دخلت – حينها – في تنافس شرس ومسعور، تم كبح جماحه باللجوء الاضطراري إلى إبرام اتفاقيات تسوية، عبدت الطريق أمام فرنسا وإسبانيا لبسط السيطرة على المغرب والشروع في استغلال ما يزخر به من خيرات، باستعمال كل أدوات العنف والبطش والإهانة والتجويع والتقتيل والنفي والترويع.

    وإذا كان مغرب القرن19م ومطلع القرن 20م يضيف العويسي، لم يكن أمامه إلا القبول بسياسة الأمر الواقع والانصياع لعاصفة الإمبريالية الأوروبية، لما كان عليه من ضعف عسكري وسياسي وتواضع اقتصادي، فإن مغرب اليوم، وتحديدا مغرب محمد السادس، أدرك مبكرا ويدرك، أن الوقوف في وجه الأعداء ومجابهتهم، كان يقتضي الرهان على أسلحة الإصلاح والتحديث والتنمية الشاملة، والرهان على دبلوماسية ناجعة ومتبصرة، تقوي القدرات وتمنح أدوات المواجهة والتحدي، وما حققه مغرب اليوم من ريادة اقتصادية وتنموية، ومن حضور وازن في العمق الإفريقي، ومن نجاحات دبلوماسية وأمنية واستراتيجية، كان من الضروري أن يزعج الأعداء ويخرجهم من جحورهم في الشرق كما في الشمال، ويرفع من منسوب سعارهم ونباحهم، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الذي كشف الأصدقاء والأشقاء والأعداء والمناورون، لأنهم لم يتخلصوا من عقليتهم الإمبريالية الغارقة في الأنانية والتعالي والابتزاز، ولم يتقبلوا دولة جارة في الجنوب، وهي تخطو خطوات رصينة ومشروعة في سبيل تطوير قدراتها الذاتية بما يضمن إدراكها للتنمية والقوة والسيادة والكرامة.

  • المغرب تغير، لكن بعض بلدان الجوار الأوروبي لم تدرك أن الجار الجنوبي تغير وأخذ يشتد ساعده، أو أنها لا تريد إدراك أن هذا الجار الذي كان ضعيفا خاضعا متحكما فيه زمن الاستعمار، قد تغير وغير اللعبة لصالحه وفرض قواعد لعب جديدة، فما قامت به ألمانيا وتقوم به من أعمال حقيرة تدخل في خانة العداء للمصالح العليا للوطن، وما قامت به الجارة إسبانيا وهي تستقبل “بن بطوش” زعيم مليشيات الوهم، في مؤامرة رخيصة تشتم منها “رائحة الغاز”، لا يمكن أن توصف إلا بالفضيحة والجريمة والخطيئة الكبرى، وما صدر عن الاتحاد الأوروبي من مواقف متضاربة عاكسة لحالة من الإبهام والارتباك والمناورة، تارة يميل إلى كفة إسبانيا المصابة بلعنة “بن بطوش” في أزمتها مع الرباط، بدل القيام بدور الوساطة وتذويب الخلاف القائم بين الطرفين، وأخرى يوسع حدود الاتحاد إلى مدينتي سبتة ومليليـة في انتهاك جسيم للتاريخ والجغرافيا، وثالثة يرفع يافطة الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، كلها مواقف من ضمن أخـرى، حاملة لأسلحة مفضوحة ورخيصة، كاشفة عن سوءة حقيقة السياسة الأوروبية نحو بلدان الجنوب وخاصة نحو بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، والمبنية على أدوات التعالي والتحكم والابتزاز والمناورة، بشكل يجعلنا أمام “إمبريالية جديدة” لا تجد حرجا في استعمال كل الأوراق ولو كانت قذرة وحقيرة كما فعلت إسبانيا، لنيل المزيد من المصالح وانتزاع الكثير من المكاسب، بشكل يمكنها من المحافظة على القدرات التي تسمح بممارسة التحكم والابتزاز والضغط والاستغلال، وفي نفس الآن، البقـاء على العهد مع ملكة قشتالة “إيزابيلا” الكاثوليكية، التي أوصت قبيل وفاتها بداية القـرن16م، في أن “يكون المغرب بلدا مشتتا جاهلا فقيـرا ومريضا على الدوام والاستمرار”.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    أكادير: احتقان بعد تكليف النساء بالعمل في أوقات جد متأخرة من الليل بالفنادق