استراتيجية ملكية لمسيرة جديدة

استراتيجية ملكية لمسيرة جديدة

A- A+
  • شكَّل الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس في ذكرى المسيرة الخضراء، نقلة نوعية في مسار المغرب وعلاقته بمحيطه المغاربي والإفريقي والدولي، ولو أنه جاء تتويجا لسياسة واقعية تربط الخطاب بالممارسة، والأحلام بالمشاريع المنجزة على أرض الواقع، فلأول مرة يكشف الملك محمد السادس عن أبعاد التوجهات الاستراتيجية التي تشغل المغرب على المستوى المجالي وكيفية استثمار مكوناته وعناصر قوته في بناء نظام إقليمي جديد على المستوى المغاربي والبعد الإفريقي والمتوسطي الذي يسعى إلى تقوية الموقع التفاوضي دوليا..

    لقد ركز الخطاب الملكي على أن الزاوية الأساسية في معمار البناء المستقبلي يجب أن ترتكز على تنمية عادلة ومتوازنة، من هنا إلحاحه على دعم التنمية بمنطقة سوس- ماسة، التي اعتبرها الملك المجال الذي يتوسط المملكة من الشمال إلى الجنوب، والتي تحتاج إلى تنمية فعالة وبنية تحتية قادرة على ربط شمال المملكة بجنوبها. حيث أوصى الملك محمد السادس بضرورة تحول جهة سوس ماسة درعة إلى قطب اقتصادي يشكل نقطة ربط قوية بين شمال المملكة وجنوبها، من هنا تأتي أهمية مد الخط السككي من مراكش إلى أكادير، وتقوية البنية التحتية بربط الداخلة وأكادير بالخط الطرقي السريع، لتؤكد أن الروح التي مكنت من استرجاع المغرب لصحرائه سنة 1975، هي ذاتها التي تدفع اليوم للنهوض بتنمية المملكة.

  • ومن هنا يأتي إلحاح محمد السادس: “ليس من المعقول توقف البنيات التحتية بمدينة مراكش دون استفادة جهة سوس ماسة درعة منها، رغم تواجد مدينة أكادير في الوسط الحقيقي للبلاد”، والتنصيص على أن جهة سوس ماسة “يجب أن تكون مركزا اقتصاديا، يربط شمال المغرب بجنوبه من طنجة شمالا ووجدة شرقا إلى أقاليمنا الصحراوية وذلك في إطار الجهوية المتقدمة والتوزيع العادل للثروات بين جميع الجهات”. إن خلق تنمية متوازنة ما بين جهات المملكة ليس بهدف تأهيل العدالة المجالية فحسب، بل لخدمة البعد الاستراتيجي الكبير الذي أشار إليه الملك وهو أن تكون البنية التحتية عامل تواصل، حيث تذيب المصالح الاقتصادية العوائق السياسية في الشراكات المغاربية والإفريقية والمتوسطية، ولنا أن نتصور نجاح السياسة المغربية في إفريقيا جنوب الصحراء بوجود طريق سريع بين الداخلة وأكادير، وطريق سيار يربط طنجة بالأقاليم الجنوبية نحو إفريقيا، ونفس الشيء من وجدة إلى الأقاليم الجنوبية لأن ذلك سييسر انتقال السلع والبضائع ويخفض الكلفة وربح الوقت والجهد ويحقق التواصل والاستفادة المشتركة لجميع الأطراف وفق شراكات واضحة..

    وخارج تذكير الملك بالمبادئ الأساسية في حل النزاع المفتعل بالصحراء من خلال آليات التفاوض وموائد الحوار التي تشرف عليها الأمم المتحدة، واعتماد أرضية المقترح المغربي حول الحكم الذاتي، فالخطاب الملكي لذكرى المسيرة الخضراء ينطوي على بعد استراتيجي، قدم من خلاله محمد السادس تطلعات ومتطلبات الشباب المغاربي لخلق فضاء للحوار والتواصل وأن تكون الوحدة المغاربية والشراكات الناتجة عنها مدخلا للمساهمة في بناء نظام عربي إقليمي جديد..

    فالعدو المشترك في المغرب الكبير لم يعد هو الجزائر بالنسبة للمغرب، ولا المغرب كما تعتقد الجزائر، وإنما كما قال الملك في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء هو الجمود وضعف التنمية التي تعاني منها شعوب المغرب الكبير، نتمنى من صميم قلبنا أن يفهم الفاعلون المغاربة على مختلف مستوياتهم الأبعاد الاستراتيجية التي حفل بها الخطاب الملكي وحي على العمل، إن الله لا يضيع أجر المخلصين.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    نخبة توزيع المنافع